130

حين نتحقق من أن المفارقة في مشكلة العلاقة بين العلم الإلهي الشامل والحرية البشرية تنشأ من القول بأن مثل هذا الافتراض المركب فرض مستحيل، وحين نتحقق من أن هذه المفارقة لا يمكن أن تزول إلا بأن ننكر واحدا من اثنين: إما المطلق الذي يشمل كل شيء، وإما العالم النسبي المتغير الذي نعيش فيه - إذا تحققنا من هذا كله، بدا الاختيار واضحا: «المادة أم الذهن، لقد ظهر الواقع أمامنا كصيرورة دائمة. هو يصنع نفسه أو لا يصنع نفسه، لكنه ليس شيئا معدا على الإطلاق.»

51 (33) يتضح من ذلك أن حرية الجبر الذاتي ننسبها للإنسان لا تشمل كل ما يتعلق بوجوده وسلوكه، فمن الطبيعي ألا نتحدث عن وجوده الذي بدونه لا يمكن أن يكون لا حرا ولا مجبرا؛ لأنه أية صفة تنسب إليه لا بد أن يسبقها التسليم بأن الإنسان موجود؛ فوجوده شرط سابق لحريته، وعلى ذلك فالقول بأن وجوده واقعة معطاة لا يمكن أن يتخذ كدليل ضد حريته.

يجمل بنا هنا أن نلاحظ أن حركات الجسم البشري يمكن أن تنقسم إلى فئتين، نطلق عليهما على التوالي: «الحركات الآلية» و«الحركات الحيوية». والأولى يمثلها حركة رجل يسقط من صخرة ناتئة على شاطئ البحر فيهوي في الماء، فلتفسير سقوطه هذا لا يلزمنا أن نفترض أن الرجل كائن حي، لأنه يسقط بفعل الجاذبية كما يسقط الحجر، أما حين يصعد الرجل قمة الجبل، فإنه عندئذ يفعل ما لا يستطيع أن تفعله مادة ميتة تشبهه شكلا وحجما، فهذه إذن حركة حيوية.

52

ومن المسلم به أن جميع حركات الجسم البشري لا ترتبط بهذا الجسم إلا من حيث ما تلعبه طبيعة أي جسم مادي آخر في تحديد سلسلة الحوادث التي يتعرض لها. ومن ناحية أخرى فإن جميع الظواهر «الحيوية» للجسم البشري التي يهتم بها عالم الكيمياء أو الحياة أو وظائف الأعضاء تحددها طبيعة الكائن الحي بأوسع معنى لهذه الكلمة، بمعنى أن أي كائن حي مكون على نحو يجعله يعمل بطريقة مناسبة في جميع الظروف المختلفة، خذ مثلا فعل الوقوف «تجد أننا حين نقف تكون هناك بشائر خفيفة متصلة للسقوط نحو هذا الجانب أو ذاك، وهذه الترنحات تكون باستمرار خاطفة ومصححة، لكن ذلك كله يحدث دون أن ندركه أو أن تكون لدينا فكرة عنه، فجسمنا يوازن نفسه دون أن يشعر وجودنا بذلك، ودون أن يكون لعقلنا دور ما.»

53

غير أن هذه الأفعال تشير - فيما يبدو - إلى حرية الحياة بصفة عامة، لا إلى حرية الفرد، اللهم إلا من حيث اعتبار هذا الفرد ممثلا للحياة. ولقد كان للحياة خلال مجرى التطور تركيبات عضوية لصور جزئية خاصة خلقتها لتعمل على نحو معين. ولقد كانت الحياة حرة في تطورها الخالق.

يبقى أمامنا بعد ذلك الجانب السيكولوجي، وفي هذا الجانب نجد أن الأفعال الإرادية هي وحدها الأفعال الحرة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. وإنك لتجد من الجبريين أنفسهم من يسلم بأن الموجودات البشرية هي الاستثناء الوحيد للمبدأ الجبري الذي يسود جميع المجالات، وأن خصائص الإرادة هي وحدها المستثناة.

وعملية الإرادة تبدأ من الانتباه إلى فكرة معينة عن تغير ما، وتنتهي بالتحقق الكامل لهذه الفكرة، وإذا نقص شيء ما في هذه العملية المتكاملة فإنها لا تسمى إرادة، لكن إذا ما تمت العملية وتحقق التغير، فلا بد أن تكون حرة على الأقل بالمعنى السلبي للحرية، الذي يعني انعدام القهر الخارجي. والواقع أن عبارة «الإرادة المجبرة

an impededwill » عبارة متناقضة؛ لأن الإرادة لا تكون كذلك إلا إذا تمت العملية حتى نهايتها. وكما لاحظ «تيلور

Halaman tidak diketahui