وأما عن «المسامتة» فيقول جابر: إن الكلب والضبعة العرجاء إذا سامت فيئها فيئه (أي إذا جاء ظلها عموديا على ظله) والكلب على سطح الجبل سقط سريعا من غير مهلة حتى تأكله؛ وأما «السماع» فإن الحيات والأفاعي وغير ذلك إذا سمعن صوت البومة هربن من وطنهن؛ وأما «الشم» فإن الأسد والحمار - خاصة من جميع الحيوان - إذا أخذ من مني الأنثى منهما شيء وطلي به ثوب أو لحم أو جسد إنسان أو غير ذلك وشمم لأحدهما منيه بعينه، يتبع الشام له أي وجه توجه إليه؛ وأما «الذوق» فالزاج والزيبق يفلج اللسان إذا وقع عليه، والسموم وأفعالها وأمثال ذلك مما لا يحصى تعداده، وأما «اللمس» فجبهة الأرنب البحري إذا لمست لحم الإنسان فتقته.
28
ويحدد لنا جابر معنى «الخاصية» تحديدا يكاد يجعل هذه الكلمة مرادفة لما يسمى في الفلسفة بالماهية؛ فهو يقول: إن «الشيء الخاصي هو الذي يفعل الشيء بعينه ما يفعله بكلام أهل الجدل.»
29
وهو يريد بهذه العبارة أن يقول: إن خاصية الشيء هي الوظيفة التي يؤديها؛ فخاصية الحصان هي مجموعة الوظائف العضوية التي يؤديها الحصان ولا يؤديها حيوان سواه، وإذن فخاصية الحصان هي «صورة» الحصان - بالمعنى الأرسطي لكلمة «صورة» - أو هي الماهية التي تجعل الحصان هو ما هو؛ ولهذا ترى ابن حيان يستمر في عبارته السابقة فيقول عن الشيء الخاصي أيضا: إن «لوجوده ما يوجد فعله معه - بكلام أهل المنطق.» فهاتان عبارتان يردف إحداهما بالأخرى، مستمدا الأولى من مصطلح أهل الجدل، ومستمدا الثانية من مصطلح أهل المنطق - كما يقول - والمعنى فيهما واحد، وهو أن خاصية الشيء هي فعله؛ فلا وجود لها بغير وجود هذا الفعل، ولا وجود لهذا الفعل بغير وجودها. ويزيدنا جابر تعريفا بالشيء الخاصي فيقول في السياق نفسه: «والشيء الخاصي لا يجوز أن يحول عن حاله على مرور السنين.» وهذا بديهي ما دامت خاصية الشيء هي ماهيته، وهي جوهره، وهي صورته، وهي وظيفته؛ فمحال أن يبقى الشيء وتزول خصائصه الجوهرية التي أكسبته حقيقته ووضعته موضعه الصحيح بين سائر الأشياء.
ويمضي ابن حيان في كلامه عن الخاصي فيقول: إن «الشيء اليسير منه هو الفاعل على مثل الشيء الكثير منه، ولكن القول في الكمية على مقدار ذلك، كوزن الحبة من المغناطيس تجذب اليسير من الحديد، وكالرطل يجذب على قدره؛ والأكثر فيه القوة التي يجذب بها ما جذب الأصغر لقلة كميته ودخولها في كميته، وليس ذلك في الأصغر لقلته، وأن ليس كمية الأكثر داخلة في كمية الأقل.» هذا نص نافذ ومفيد، وهو يحتاج إلى بعض التوضيح لالتواء عبارته اللفظية؛ فمؤداه أن العنصر المعين ذو فعل معين لا يتغير من حيث نوع الفعل بتغير الكمية التي تأخذها منه؛ فالمغناطيس - مثلا - يجذب الحديد، ولا فرق في ذلك بين مغناطيس كثير ومغناطيس قليل؛ فالفعل واحد في نوعه، وكل الفرق هو أن المغناطيس الكثير يجذب قطعة كبيرة من الحديد، والقليل يجذب قطعة صغيرة، على أن الكثير يفعل فعل القليل أيضا، والعكس غير صحيح، أي أن القليل لا يفعل فعل الكثير.
إن هذه الأقوال التي أسلفناها، والتي حاول بها جابر أن يحدد معنى «الخاصية» عندما نزعم أن للشيء المعين «خاصية» معينة، إنما تنصرف إلى ما هو ذاتي في طبيعة الشيء، ولا تنصرف إلى صفات أخرى قد يطلق عليها هي أيضا اسم «الخواص » لكنها قد تكون سريعة الزوال أو بطيئته؛ ولهذا نرى ابن حيان يذكر لنا في موضع آخر
30
ثلاثة أنواع للخواص، هي: (1)
سريع الزوال، ويسمى حالا. (2)
Halaman tidak diketahui