كنت أنت، سكرتير المجلس، تقول هذا مشكورا، وكانت اللجنة التي اخترتها بنفسك تحكم على إنتاجي وعلى إنتاج جميع من يكتبون القصة القصيرة - باستثناء ثلاثة - بأنه غير جدير بالعرض عليها أصلا، فما معنى هذا؟ وعلى أي حق أو نص استندت اللجنة في اتخاذ القرار؟ وكيف تأخذ موقفا خطيرا كهذا بغير علم المجلس وبغير علمك، أو إذا كان بعلمك فكيف تعطي هذه الشهادة في حق إنتاج كاتب رأته اللجنة التي اخترتها أنه غير جدير بالعرض عليها؟ ولمصلحة من تقف اللجنة هذا الموقف؟ ألمصلحة الأدب والفن؟ كان عليها إذن أن ترفض البيان والتبيين للجاحظ كما يقول عميد الأدب العربي، وكان عليها أن تلغي عودة الروح وقنديل أم هاشم وقصص المازني وطاهر لاشين ومحمود تيمور نفسه، وأجمل وأروع ما في تراثنا من أدب وفن، بل كان عليها أن ترفض إنتاجك أنت نفسك فلا زلت أذكر مقدمة كتابك «وراء الستار» التي أشبعت فيها وزارة المعارف آنذاك سخرية لأنها رفضت تقرير بعض إنتاجك على التلاميذ لأن الحوار فيه يدور باللغة العامية. وهل اتخاذ قرار كهذا بشأن كتب طبعت فعلا وقرئت ونفدت من السوق هو الذي سيحمي اللغة العربية ويرفع شأنها؟ وهل رفع شأن اللغة يكون بمصادرة إنتاج جيل بأكمله من الكتاب لأن في بعض صفحاته حوارا بالعامية؟ هل الوقوف موقف البطش والإرهاب والرفض من جانب اللجنة هو الذي سيخيف الكتاب ويجعلهم «يحرمون» كتابة الحوار بالعامية؟ أم نسمع ما يقال من أن المقصود ليس مصلحة اللغة ولا الأدب وإنما هو لغلق دائرة الجائزة على هذا الكاتب أو ذاك، كاتب كل مؤهلاته أنه يكتب الحوار بالفصحى؟
دبرنا يا أستاذ يوسف وأشر علينا بما نفعله. المجلس الذي أنشئ وتنفق عليه الدولة مئات الألوف من الجنيهات وربما ملايينها من أجل إنعاش الحركة الأدبية ورعاية الكتاب والفنانين، المجلس الذي كان من واجبه أن ينشط ويدفع ويجعل من القاهرة وكتابها مركز الإشعاع الثقافي والفكري والفني لآسيا وأفريقيا، هذا المجلس بدلا من أن يحتضن الكتاب والفنانين ويشجعهم ويرسلهم في بعثات للدراسة وللتبادل الثقافي ويرغب لهم الفن والأدب ها هو ذا يتحول إلى جهاز كل مهمته أن يرفض ويزجر ويطرد الكتاب والفنانين من جنات الرعاية؛ الشعراء ترفضهم لجنة الشعر وتسخر من إنتاجهم وتحيل دواوينهم - زيادة في السخرية - إلى لجنة النثر باعتبار أنها ليست شعرا، وكتاب القصة يرفض إنتاجهم جملة وتفصيلا وبأوهى حجة، وفي المسرح ها هي لجنته في الطريق إلى قطع الطريق على إنتاج الكتاب الشبان وبحجة العامية والفصحى أيضا.
والطريف في الأمر أنك بإنتاجك يا أستاذ يوسف مع المطرودين الممنوعين؛ إذ لو كان إنتاجك قد عرض لرفض بنفس الطريقة. أليس في هذا ما يدعو إلى الضحك؟ وهل المشكلة أن ترفض وتقول ممنوع؟ لو كان الأمر كذلك لكان من المستحسن أن نوفر على الدولة مئات الألوف من الجنيهات، ونلغي لجان المجلس ومكافآت أعضائه ونكتفي بساع معه ختم بكلمة ممنوع يبصم به كل إنتاج جديد. حسن جدا! لقد أديتم مهمتكم بنجاح ورفضتم جميع الإنتاج المعاصر في القصة والشعر والمسرحية، أهذا كل شيء؟ أهذه هي كل الرعاية؟ أهذا هو الهدف؟ ماذا إذن عن التأليف؟ لماذا ما دمتم غيورين إلى هذه الدرجة لا تتخذون قرارا بأن تؤلفوا أنتم؟ لا بد لكم من اتخاذ قرار كهذا؛ فإن أحدا لن يؤلف حسب مواصفاتكم أبدا، وباستطاعتكم أن تفخروا بأنكم رعيتم الحركة الأدبية إلى حد الخنق والازدراء والقتل، سلمت أيديكم وشكر الله سعيكم.
تريد الصراحة يا أستاذ يوسف، الجيل المعاصر من الكتاب والشعراء والفنانين في حالة يأس كامل، وكل ما نطلبه هو الرحمة من هذه «الرعاية» وأن يقدر لنا أن يمد أعمارنا إلى أن نرى لجانا أخرى غيورة على الأدب والفن حقا، بعقليات أخرى، بفهم آخر للحياة، ولأجمل ما في الحياة، قدرة الإنسان على الخلق والابتكار.
وإلى أن يحدث هذا لك مني ومن المطرودين والمنبوذين والمحرومين من نعيم اللجان وقراراتهم أطيب التمنيات، ولننتقل إلى موضوع يفيد الناس.
لماذا نتركهم ينتظرون
من يوم أن كتبت «هذا رأيي» عن مشكلة تخفيض الإيجار، وسيل خطابات القراء لا ينقطع، وكل خطاب منها يحمل مأساة، ويستغيث، والجميع يتلهفون على صدور القانون. وكم كنت أتمنى أن يطلع السيد وزير الشئون البلدية والقروية عليها ليلمس بنفسه إلى أي حد خانق تمسك أزمة الإيجارات المرتفعة بتلابيب عدد كبير من المواطنين، ولكني أعتقد أنه بغير حاجة إلى هذا، وربما هو أكثر منا جميعا علما بالوضع. كل ما أريد قوله بهذه المناسبة، أن هناك من يظنون أن في صدور قانون التخفيض ما قد يثبط همة بعض الملاك ويدفعهم إلى العدول عن بناء المساكن الجديدة، وهذه في رأيي حجة لا معنى لها؛ فإن ننتظر إلى أن نستنفد قدرة أصحاب المال على البناء لنساوي الإيجارات الجديدة بالقديمة فهو انتظار قد يطول، بل لا يحتمل أن يكون له آخر. فهل نترك مئات الألوف من المواطنين يختنقون من أجل أن نغري الملاك على البناء؟ ثم هل حالت قوانين التخفيض الأولى بين أصحاب النقود وبين البناء؟ بالعكس إن ما نعلمه أن بضعة قوانين أصدرت لتحد حركة استثمار النقود في بناء المساكن، ونحن يمكن أن نشجع البناء بوسائل كثيرة، بخفض أسعار الإسمنت والخشب والحديد مثلا، ببيع أراضي الحكومة للملاك بالتقسيط، بأي طريق آخر إلا طريق ترك آلاف المواطنين لقمة سائغة لأصحاب البيوت يفرضون عليهم ما شاءوا من إيجارات.
ثم إن التخفيض الذي حدث تحايل عليه أصحاب العقارات من ناحية أخرى ؛ فأصبحوا يحددون خلو رجل لا يقل عن مائة جنيه للشقة إذا خلت في عماراتهم، والقانون يتركهم بغير عقاب. هم إذن يستفيدون إذا خفضت الإيجارات ويستفيدون إذا بقيت بغير تخفيض أما الخاسر في الحالتين فهو المستأجر المسكين.
إني أرجو السيد محمد أبو نصير أن يتخذ إجراء عاجلا حاسما يوقف جشع الملاك عند حده، مجرد الجشع، أما الربح الحلال فلا اعتراض لأحد عليه.
إن مئات الآلاف من المواطنين المظلومين الذين جفت حلوقهم من الشكوى يتحرقون انتظارا لهذا الإجراء، فإلى متى ندعهم ينتظرون؟!
Halaman tidak diketahui