وقال ابن عساكر في تاريخه: أنبأنا أبو المعالي أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد، أنبأنا جدي منصور، أنبأنا أبو عبد الرحمن السّلمي، أنبأنا عبد الله بن الحسين بن محمد الكاتب، حدثنا عبد الله بن نصر، حدثنا أحمد بن يحيى المصاحفي، حدثنا علي بن أحمد بن عمران الخنسي، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا الهيثم ابن عديّ عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: لو لم يكن لابن آدم إلاَّ الصحة والسلامة لكفاه بهما داء قاتلًا. قال الهيثم: فأخذه حميد بن ثور الهلالي ﵁ فقال:
أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ ... وحسبُك داءٌ أن تَصِحَّ وتسلما
ولن يلبث العضوان يومًا وليلةً ... إذا اخْتَلفا أن يُدركا ما تيمّما
وقال الخطيب في تاريخه: أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدثنا أبو القاسم علي الحسين العرزمي المقرئ، حدثنا أبو العباس محمد بن عمر بن الحسين بن الخطاب البغدادي، حدثنا جعفر بن علي الحافظ البغدادي، حدثنا أحمد بن محمد الحماني، حدثنا محمد بن سماعة القاضي، حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة قال: حَجَجْت مع أبي سنة ست وتسعين، فرأيت رجلًا من أصحاب النبي ﷺ يقال له عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، فسمعته يقول: سمعت النبي ﷺ يقول: من تفقّه في دين الله رزقه الله من حيث لا يحتسب وكفاه همّه. وأنشد أبو حنيفة من قوله:
مَنْ طلبَ العلم للمعاد ... فاز بفضل من الرشادِ
ونال خُسران من أتاه ... لنيل فضل من العبادِ
وأخرج ابن النجار عن ابن عائشة قال: سَمِعني رجلٌ وأنا أقول: قال رسول الله ﷺ: لو عُزِّي المرءُ في حياته من الأسقام لأفناه الليل والنهار. فقال: هذا عن رسول الله ﷺ؟ فقلت: قاتل الله حميد بن ثور إذ يقول:
أرى بصري قد رابني بعدَ صحّةٍ ... وحسبُك داءً أن تَصِحَّ وتسلما
وقال ابن أبي حاتم في كتاب الزهد له، حدثنا محمد ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة حدثنا ابن عياش عن عبد الله بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ كان قاعدًا وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: أيها الناس، إنما مثل أحدكم ومثلُ أهله وماله وعمله كرجل له ثلاثة أخوة، فقال لأخيه الذي هو ماله حين حضرته الوفاة ونزل به الموت: ماذا عندك في نفعي وفي الدفع عني وقد ترى ما بي؟ فقال: عندي أن أطيعك ما دمت حيًّا، وانصرف حيث صرفْتَني، ومالك عندي نفعٌ إلاَّ ما دمت حيًّا، فإذا متَّ ذُهب بي إلى غير مذهبك، واتّخذني غيرُك. فالتفت النبي ﷺ فقال: هذا أخوه الذي هو ماله، فأي أخٍ ترونه؟ قالوا: لا نسمع طائلًا يا رسول الله.
ثم قال لأخيه الذي هو أهله: قد نزل بي من الموت ما نزل، فما عندك من الغناء في منفعتي والدفع عني؟ فقال: عندي أن أمرِّضَك وأقوم عليك، فإذا متّ غسَّلتك ثم كفَّنتك وحنَّطتك، وأبكيك وأتّبعك مشيّعًا إلى حفرتك، وأثني عليك خيرًا. فقال رسول الله ﷺ: أيّ أخٍ هذا؟ قالوا: أخ غير طائل.
ثم قال لأخيه الذي هو عمله: ماذا عندك وماذا لديك في منفعتي والدفع عني؟ قال: أشيّعك إلى قبرك، وأونس وحشتك، وأذهب غمّك، وأجادل عنك في القبر، وأوسّع عليك جهدي، فأي أخ ترون هذا؟ قالوا: خير أخ يا رسول الله. قال: والأمر هكذا. قالت عائشة: فقام عبد الله بن كرز الليثي فقال: أتأذن لي أن أقول في هذا شعرًا؟ فقال رسول الله ﷺ: نعم فغدا عبد الله واجتمع المسلمون فقال رسول الله ﷺ: هات يا ابن كرز فقال:
وأهلي ومالي والذي قدَّمَتْ يدي ... كداعٍ إليه صَحْبهُ ثم قائلِ
لإخوته إذ هم ثلاثةُ إخوة ... أعينوا عليّ اليوم أمري بنازلِ
فراق طويل غير ذي مَثْنويّةٍ ... فماذا لديكم في الذي هو غائلي
فقالَ امرؤ منهم أنا الصاحب الذي ... يطيعك في محياك قبل النزائلِ
فأما إذا جدَّ الفراق فإنّني ... لما بيننا من خُلّةٍ غيرُ واصلِ
فخذ ما أردتَ اليومَ منّي فإنني ... سبيلك لي في منهل غير طائلِ
1 / 3