للأبصار والباطن ما يبطن عن الأبصار، ومعلوم قطعًا أن داخل الفم والأنف غير ظاهرين للأبصار.
دل أنهما باطنان، ونستدل بالوضوء فنقول: الفم والأنف عضوان مركبان في الوجه، وغسل الوجه واجب بنص القرآن فلو كانا محلى وجوب الطهارة بالحدث لكان أولى موضع بذلك ثم نبني عليه الغسل من الجنابة وغيره، فلما لم يجب غسلهما في الوضوء علمنا أن المعنى المسقط ما ذكرناه من بطونهما، وهذا المعنى موجود في الغسل فسقط فيه أيضًا.
وأما حجتهم:
تعلقوا بقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، ومعناه: طهروا أبدانكم، والبدن اسم لجملة صورة لإنسان ظاهرًا وباطنًا فكل ما هو من البدن طاهر أو نجس يجب تطهيره بإيصال الماء إليه بحاكم ظاهر الآية إلا أن يعجز عنه فيسقط حينئذ بالعجز، وداخل الفم والأنف يمكن الوصول إليهما فيجب تطهيرهما/ بظاهر الآية.
وقالوا على ذلك موضع من البدن يتيسر الوصول إلى تطهيره فيلحقه حكم الجنابة. دليله سائر المواضع.
قالوا: وقولكم «باطن» هو باطن من وجه ظاهر من وجه. ألا ترى أنه يفتح فمه فيظهر داخل فمه كأنه وجه ويطبق فمه فيسقط كأنه جوف. ولأنه فيما بينه وبين الظاهر ظاهر.
ألا ترى أن الصائم لو وضع شيئًا في فمه لا يفطر، وفيما بينه وبين الباطن باطن، ألا ترى أن الصائم لو ازدرد ريقه لم يفطر فدل أنه ظاهر من وجه باطن من وجه، وأمر الطهارة يحتاط فيها فما بنى فيها على العموم
1 / 87