ونفسًا ميالةً إلى الهوى المُردي، وأمددت الفريقين بجندينِ يسوقان العقل والنفس إلى ما سبق من التقدير الناشئ عن علم التدبير، وكان حكمي في هذين الفريقين أَنَّ من غلب عقله على هواه فهو من الناجين، ومن غلب هواه على عقله فهو من الهالكين وهذا ما اشتمل عليه قوله تعالى: (إنِّي أعْلَمُ ما لا تعلَمُونَ) . ومما اشتمل عليه (إنِّي أعْلَمُ ما لا تعلَمُونَ) أن اختلاف الصنائع أول دليلٍ على قدرة الصانع، ومما اشتمل عليه (إنِّي أعْلَمُ ما لا تعلَمُونَ) أني ركبتُ فيهمْ منَ الشهوةِ ما لو ركَّبته فيكم لفعلتمُ فِعلهم أو لم تطيقوا صَبْرهم على أنهم قد أحبوني محبةً بذلوا فيها أبدانهم للتمزيق، ودماءهم للإراقةِ، وأرواحهم للذهاب، ومنهم الصابرونَ على أنواع المكارهِ، والصائمونَ في الهواجرِ، والعابدونَ على ضعف القوى، والناهون نفوسهم مع قوةِ الهوى، ويرونَ ذلكَ المرّ حلوًا في رضائي، وتسليمًا لقضائي وقدري، يسابقُ كلُّ وليٍّ منْهم بالعبادةِ أجلهُ، يؤتونَ ما أُتوا وقلوبهم وَجِلةُ، فظهرت حكمة الله ﷿ في خلقهم، ورجحت حجة الله سبحانه على الملائكة في قدحهم.
1 / 59