فقال الوكيل: «قلت لك يا ولدي إننا نرسل هؤلاء ليس لجمع النذور فقط، ولكن لجمع المساعدات من الأديار الأخرى، وهناك بقرب القاهرة دير يوناني، وبعض الأديار القبطية تعودنا تلقي المساعدة منها.»
فتأوه حسن لتذكره تلك البلاد التي فقد فيها والديه، وقال: «عسى أن تكونوا قد نلتم ما أردتم؟»
فقال أحد الرهبان القادمين: «إننا لقينا في دير مار جرجس أكثر مما نلناه من سواه، وقد وقع لنا فيه اتفاق غريب مع راهبة من راهباته، وذلك أننا نزلنا هناك، وبعد أن أتتنا الرئيسة بالمساعدة المعتادة، جاءتنا راهبة يظهر أنها ليست يونانية مثل بقية الراهبات هناك؛ إذ كلمتنا باللغة المصرية، ولما علمت بأننا قادمون من الشام بكت ثم أخرجت من جيبها عقدا من الكهرمان الثمين وقالت: «إني أقدم هذا العقد لمقام النبي إيليا، وإذا وجدت ضالتي فسيكون علي نذر آخر كبير.»
فتعجبنا من قولها، وأردنا الاستفهام منها، فأومأت الرئيسة إلينا ألا نسألها فسكتنا، ثم لما خلونا إلى الرئيسة أسرت إلينا أمرا لا يمكننا ذكره، ولكننا صلينا من أجلها صلاة خاصة وتضرعنا إلى الله أن ينيلها مرامها؛ لأننا رأيناها منكسرة القلب، عسى أن يستجيب الله دعاءنا.»
فأحس حسن بانقباض، وصمت. أما الراهب فأخرج من جيبه عقد الكهرمان وقدمه لوكيل الدير لينظر إليه، فما رآه حسن حتى خفق قلبه، وتأمله فإذا هو عقد والدته بعينه، وظهرت على وجهه أمارات الدهشة، فتعجب الحاضرون من ذلك ولبثوا ينظرون إليه وهو يتأمل العقد ويقبله، ثم رفع رأسه إلى الراهب وقال له وقد شرق بدموعه: «هل رأيت صاحبة هذا العقد في ذلك الدير؟» قال: «نعم.»
فقال حسن: «هل تحققت وجهها جيدا؟»
قال: «لم أتحققه تماما، ولكنني علمت من مجمل ملامحها ومن الوشم الذي على صدغها أنها من أهل مصر.»
فقال حسن وقد وثب من مكانه: «هل عاينت الوشم الذي على صدغها؟ أهو ثلاث نقط متوازيات؟»
فنظر الراهب إلى حسن متعجبا وقال: «إن الوشم الذي على وجهها كان على هذه الصورة حقيقة، فكيف عرفت ذلك؟»
قال حسن: «هي والدتي.» ثم أخذ في التأوه والبكاء، فبهت الجميع، ثم قص حسن على الرهبان قصته، فعلموا أن أباه هو ضالة تلك السيدة، وأنها تعتقد أن ابنها قتل وليس على قيد الحياة.
Halaman tidak diketahui