فأعجب الأميرال بشهامته وسأله: «أين يقع دير القوم؟» فقال: «هو هذا البناء الظاهر من هنا قرب باب يعقوب.» وأشار بيده إلى الدير.
فأصدر الأميرال أمره إلى قائد مدفعيته بأن يجتنبوا ضرب ذلك الدير، ثم أمر بأن تعد خيمة ينزل بها عماد الدين والطبيب المغربي وتابعه، وأن يصرف لهم ما يكفيهم من الطعام والشراب وكل ما يحتاجون إليه إلى أن يقضي الله في أمر المدينة بما يشاء. •••
كان عماد الدين منذ وقعت عيناه على السيد عبد الرحمن قد لاحظ شدة التشابه بينه وبين صديقه حسن، فخفق قلبه حزنا على فراق ذلك الصديق وانقطاع أخباره عنه. كما تذكر ما علمه منه من أن أباه سبقه إلى عكا، فرجح عنده أن هذا الطبيب المغربي ليس سوى السيد عبد الرحمن والد حسن الذي يبحث عنه.
وما استقر المقام به في الخيمة مع الطبيب المغربي وتابعه وجلسوا لتناول الطعام معا، حتى التفت إليهما وقال: «هل لي أن أسأل من أين جاء السيدان إلى هذه المدينة؟»
فقال السيد عبد الرحمن مقلدا لهجة المغاربة في كلامهم: «جئنا من المغرب، وصناعتنا التطبيب والتنجيم.»
فقال عماد الدين: «أي تطبيب؟ وأي تنجيم يا أخي؟ لقد أكلنا معا عيشا وملحا فلا ينبغي لنا أن يموه بعضنا على بعض.»
فاستعاذ السيد عبد الرحمن بالله من شر هذه الأسئلة المحرجة، ولاسيما بعد أن سمع محدثه يذكر للأميرال أنه من رجال الشيخ ضاهر، وأنه حمل رسالة منه إلى علي بك في مصر، وحمل من هذا رسالة إلى الأميرال، على أنه تجلد حتى لا يفضحه خوفه وقال: «لم أذكر لك إلا الحق يا سيدي، فإذا لم تصدقني فاسأل الأميرال فهو يعرفني منذ بضعة أشهر، وقد صحبته في سفينته من عكا إلى دمياط.»
فابتسم عماد الدين، ورجح لديه أن ظنه في محله، ثم أراد أن يمضي في امتحان محدثه، فقال له: «أكنت في دمياط؟ حسنا ... لقد وضح لي الآن سر المشابهة بين سحنتكما ولهجتكما في الحديث بسحنة أهل مصر ولهجتهم رغم محاولتك تقليد اللهجة المغربية.»
فازداد خوف السيد عبد الرحمن، ولكنه جاهد ليخفي خوفه وقال: «إن تابعي هذا أقام في مصر زمنا طويلا، وكانت أمي من مصر، فضلا عن ترددي إليها كثيرا لمزاولة مهنتي.»
فضحك عماد الدين ساخرا وقال: «أليس غريبا أن تغادرا مصر لمزاولة مهنتكما في غيرها في حين أنها أوسع رزقا، وأهلها أكثر حاجة إلى الكحل وغيره مما في جرابكما.»
Halaman tidak diketahui