في جبل لبنان
أعجب حسن حين أشرفت السفينة على بيروت بسلسلة جبال لبنان الشامخة المكسوة بالثلوج والأشجار، ولاحظ أن مدينة بيروت تحيط بها تلال مرتفعة عنها، فقال لعماد الدين: «إن هذه التلال المرتفعة خطر على المدينة؛ إذ يستفيد بها العدو الذي يغزوها برا ويتسلط عليها بسهولة.»
فقال عماد الدين: «صدقت يا أخي، ولكن المدينة بها - عدا القلاع البحرية، كقلعة الميناء الداخلة في البحر، وقلعة الخارجية، وقلعة شويخ - برج هائل شرقيها، هو الذي يبدو أعلى أبراجها جميعا، ويقال له «برج الكشاف»، وهو يشرف على كل الجهات، وبجانبه برج آخر صغير ليست له أهمية كبيرة، كما أن بها من الغرب برجين كبيرين هما: برج أم دبوس، وبرج طاقة القصر. وكان للمدينة فيما مضى سور تهدم بمضي الزمن، لكن أبوابه ما زالت سليمة وفيها مراكز دفاعية لا بأس بها.»
ولمح حسن غربي المدينة تلا مرتفعا داخلا في البحر وعليه الأشجار والزروع، ووراءه سهل ممتد من الرمال، فلما سأل عنه عماد الدين أجابه هذا بقوله: «هذا رأس بيروت، وهو يمتد إلى مدينة صيدا.» ثم أشار إلى تل في الجهة الشرقية وقال له: «هذا تل الأشرفية، وهو أكثر أغراسا، وليس وراءه إلا الجبل كما ترى.»
فأشار حسن إلى أبراج متفرقة بين البساتين والغياض على رأس بيروت وتل الأشرفية وقال: «أليست هذه الأبراج للدفاع أيضا؟»
فقال عماد الدين: «إنها أبراج، لكنها للسكنى وليست للدفاع، وقد بناها بعض الأمراء والأعيان في عهود متفرقة ليسكنوها في فصل الشتاء، وقلما يسكنها غير القادرين لوقوعها خارج المدينة وتعرضها للغزو وسطو اللصوص وقاطعي الطريق.»
وكانت السفينة قد ألقت مراسيها، فغادراها إلى المدينة حيث طافا ببعض أسواقها الضيقة، وأعجب حسن برصف شوارعها ونظافتها. وبعد أن وضعا أمتعتهما في فندق قرب سوق الحدادين، أخذ عماد الدين حسنا وأراه قيسارية الأمير حاكم لبنان السابق وغيرها من القيساريات.
فقال حسن: «هل الشيخ ضاهر هو حاكم بيروت الآن؟»
فقال عماد الدين: «لا، بل هي تابعة للأمير يوسف شهاب الدين، ومثلها طرابلس وصيدا وصور، على أن الأمير يوسف والشيخ ضاهر متفقان في الخفاء على محالفة الروسيين. ومما يذكر أن والي المدينة الذي يحكمها باسم الأمير يوسف الآن هو أحمد بك الجزار الذي كان فيما مضى من أمراء علي بك في مصر، ثم وقع بينهما نفور، ففر إلى الآستانة خوفا على حياته من علي بك، ثم جاء إلى هذه البلاد فرتب له الأمير منصور نفقة من جمرك بيروت، وبقي كذلك حتى جاء الأسطول الروسي الذي رأيناه في الإسكندرية فخرب المدينة وهدم أسوارها، ونهب جنوده متاجرها ومنازلها بتحريض من الشيخ ضاهر؛ طمعا في إخضاع الأمراء الشهابيين لسلطانه أيضا، وظلوا يحاصرونها حتى بعث الأمير منصور إلى الشيخ ضاهر يوسطه لدى الروسيين في فك الحصار عنها في مقابل أن يدفع لهم مبلغا كبيرا من المال، فتم الصلح بينهم على ذلك، ثم جاء الأمير يوسف فولى الجزار على بيروت، وأحسب أن هذا لا يلبث قليلا حتى يخرج عليه؛ فقد تركته حين سافرت من عكا والأمير متغير عليه؛ لما بلغه من أنه يبني الحصون ويعد معدات الدفاع في المدينة، ويسخر الناس في تلك الأعمال.»
فقال حسن: «أسأل الله ألا تنشب الحرب بينهما ونحن هنا، ويا حبذا لو نعجل بالرحيل إلى عكا؛ لتفادي الأخطار؛ ولكي أبحث عن أبي هناك.»
Halaman tidak diketahui