فهز المدير رأسه عجبا وقال: «ما شاء الله! الشيخ ضاهر يحكم بلاد الشام كلها؟ هل تعرف تاريخه جيدا؟»
فقال عماد الدين: «سيادتكم أدرى.»
قال: «لقد أخبرني أبي بأنه عرفه منذ كان غلاما يعيش مع أبيه الشيخ عمر الزيداني وقبيلته البدوية في جهة بحيرة طبرية، ولما توفي أبوه آلت إليه رياسة القبيلة، وحاربه أولاد العظم حكام دمشق لما رأوه يحاول توسيع سلطانه، لكنهم لم يستطيعوا قهره، وأخذ في التجارة مستعينا بأعوانه الكثيرين من البدو، فجمع ثروة كبيرة، وما لبث أن استولى على عكا وانتزعها بلا حرب سنة 1749 من يد الأغا الذي كان يحكمها باسم والي صيدا، ثم حصنها وبنى له شمالها قصرا أشبه بالحصن، ولم تجد الدولة العلية بعد ذلك بدا من منحه سنة 1768 لقب «شيخ عكا وأمير أمراء طائفة المتاولة وقومندان الناصرة وطبرية وصفد وشيخ الجليل»، ولم أعد أسمع عنه شيئا منذ ذلك الحين.»
فقال عماد الدين: «إنه فتح مدينة صيدا، وأقام عليها واليا اسمه «الدنكزلي». ولما نشبت الحرب بين الدولة العلية وروسيا انحاز إلى الروسيين متحدا في ذلك مع علي بك هنا في مصر، ولا يخفى عليكم أن الأسطول الروسي في ميناء الإسكندرية الآن. ولست أخفي عليكم أني جئت من عكا برسالة من الشيخ ضاهر إلى علي بك، وقد كلفني هذا حين قابلته في القاهرة منذ أيام حمل رسالة منه إلى أميرال الأسطول الروسي هنا.»
فقال المدير: «يلوح لي من هيئتك ولهجتك في الحديث أنك من الدروز اللبنانيين، فما الذي أدخلك خدمة الشيخ ضاهر؟»
قال: «إن أسرتي ملت كثرة المنازعات بين الأمراء الشهابيين حكام لبنان، فانضمت كغيرها إلى الشيخ ضاهر.»
وما زالا في مثل هذا الحديث حتى عاد النائب ومعه حسن، فنهض عماد الدين وقبل يد المدير، وكذلك فعل حسن، ثم استأذنا في الانصراف شاكرين، فأذن لهما وانصرفا. •••
سار حسن مع عماد الدين إلى الفندق، وقص حسن في الطريق قصة اعتقال المماليك إياه، ذاكرا أنهم استولوا على كل ما كان يحمله من النقود وطمعوا في المزيد، فسألوه عن أهله ليرسلوا إليهم لكي يفتدوه من السجن، فلما أخبرهم بألا أهل له في الإسكندرية ولا في غيرها من الديار المصرية لم يصدقوه، وأبقوه في السجن حتى يرشد عن أهله وهددوه بالقتل إن لم يفعل. فلبث في السجن خائفا يترقب حتى جاء نائب مدير الجمارك وخاطب الأغا في شأنه فأفرج عنه في الحال.
وباتا ليلتهما في الفندق، ثم سارا إلى الميناء في الصباح فوجدا السفن الروسية قد عادت إليه، فاكترى عماد الدين قاربا أوصله إلى سفينة الأميرال حيث سلمه رسالة علي بك، ثم عاد إلى حسن وأخذا في البحث عن سفينة ذاهبة إلى السواحل السورية إلى أن وجدا سفينة تجارية كبيرة تعتزم الذهاب في الغد إلى بيروت رأسا، فحجزا لهما مكانا فيها، على أن يقطعا المسافة القريبة من بيروت إلى عكا برا، ثم عادا إلى الفندق فأعدا أمتعتهما للسفر، وما أشرقت شمس اليوم التالي حتى كانا في السفينة وهي تمخر عباب البحر ناشرة أشرعتها، ومرت قبل مغادرتها المياه المصرية بميناء دمياط فحملت منه مقادير كبيرة من الأرز، ثم استأنفت رحلتها قاصدة إلى بيروت فأشرفت عليها بعد بضعة أيام.
الفصل العاشر
Halaman tidak diketahui