مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية
مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية
Genre-genre
وجود هذا الاعتقاد الجاهلي في عصرنا الحاضر
لقد جاء النبي ﷺ ليصحح هذه الاعتقاد الخاطئ، وقبل أن ننظر في تصحيح النبي ﷺ لهذه العقيدة الخربة فإننا ننظر هل هذه العقيدة الجاهلية التي كانت قبل بعثة النبي ﷺ موجودة في عصرنا هذا المتحضر في القرن الواحد والعشرين؟ وهل دبت أو أطلت هذه الفتنة برأسها علينا؟ وهل ظهر هذا الاعتقاد الخاطئ في هذا الجيل من أجيالنا؟
و
الجواب
نعم، فقد سارع فينا داء الجاهلية، وقد أسرع قوم منا لينسبوا هذه الحوادث للدهر، ويسبون الدهر بذلك، فمنهم من يقول: قدر أحمق الخطى، ويقولون أيضًا: غضب الطبيعة، وهذا يوم نحس، والأم تأتي لولدها فتقول له: يوم تعيس لما ولدت أنت، وذلك يوم نحس وبؤس عندما رأيناك، والأم كثيرًا إذا أرادت أن توبخ ابنها ما تقول له: يوم نحس عندما أتيت، وآه جدتك ماتت عندما ولدت أنت.
وامرأة كتبت رسالة كاملة تقول فيها: انظروا إلى قسوة القدر؛ فما ترك مسرورًا إلا ونزل عليه، وما ترك سعيدًا إلا وابتلاه بالبلايا والمصائب.
وهذه الرسالة متداولة بين شبابنا وبين نسائنا.
فهذه هي الجاهلية العصرية تعتقد نفس الاعتقاد الذي اعتقده أهل الجاهلية قبل مبعث النبي ﷺ، إذًا فقد تواكبت الاعتقادات وتوافقت في الصورة.
وجاء النبي ﷺ ليهدم هذا الصرح العظيم من الاعتقادات الخاطئة، ويبين لهم أن هذه الاعتقادات خاطئة.
فأما اعتقاد الفرقة الأولى وهو الاعتقاد بأن الأيام والليالي هي التي تبتلي الإنسان بالكوارث والحوادث، فهذا الاعتقاد جاء النبي ﷺ ليهدمه ويبين أنه كفر، فلا يجوز اعتقاده، فإن الله هو: الواحد الأحد، الفرد الصمد، المتفرد بالجلال والكمال، المتصرف في هذا الكون.
وأما الفرقة الثانية التي زعمت أنها تنزه الله جل في علاه فلا تنسب إليه هذه الشرور، فهذا الاعتقاد أيضًا لا يجوز بحال من الأحوال، قال رسول الله ﷺ كما في الصحيحين: قال الله تعالى: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)، وفي رواية قال: (يسبني -أو قال يؤذيني- ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار)، وفي رواية ثالثة حسم وقطع رسول الله ﷺ هذه المادة؛ حتى يميت هذا الاعتقاد الخاطئ، فقال فيما يرويه عن ربه: (لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر)، والأصل في النهي التحريم.
وهذا كله ينصب في منطقة واحدة وهو النهي عن سب الدهر، والنهي عن هذا الاعتقاد الخاطئ، أو النهي عما ينبع عن هذا الاعتقاد الخاطئ من سب الدهر.
وهنا وقفة وهي في تفسير قول النبي ﷺ: (يؤذيني ابن آدم)، فهل يصل الإيذاء إلى الله جل في علاه مع أنه الله مالك الملك، وفاطر السموات والأرض، وله الجبروت الكامل، وله الملك والسؤدد الكامل ﷾، وإذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون جل في علاه؟ والجواب: نعم يصل الإيذاء إلى الله جل في علاه، وما لنا لا نثبت ما أثبته الله لنفسه، فقد أثبت الله أنه يصل إليه الإيذاء فنقول: يصل إليه الإيذاء، ووصول هذا الإيذاء إليه لا يدل على الضعف، ولا على النقص، ولا على التضرر من ذلك، فالإيذاء غير الضرر، فإذا بلغ الضرر إليه ولم يستطع دفعه عن نفسه فهذا نقص في حق الله جل في علاه.
وهناك فرق بين الإيذاء والضرر، فالإيذاء لا يمنع الكمال، وقد أثبته الله لنفسه، ونفى عن نفسه الضرر فقال: ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران:١٤٤]، وفي الحديث الصحيح في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: قال الله تعالى: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني)، إذًا فلن يصل الضر إليه؛ لأن الضرر صفة نقص، والله تعالى له صفات الكمال.
إذًا فالإيذاء يصل إلى الله، لكن لا يصل إليه الضرر، ونظائر ذلك كثيرة، فالإنسان قد يصل إليه الإيذاء دون أن يصل إليه الضرر، وهذا الإيذاء لا يؤثر فيه كما يؤثر الضرر، قال الله تعالى عن الكافرين وما يعملونه بالمسلمين: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ [آل عمران:١١١] يعني: لن يكون ضررهم بالكيد والحسد والسب والشتم إلا أذى فقط، ولا يصل إليكم ضررهم في غير ذلك.
وأيضًا النبي ﷺ لما اتهموه وقالوا: كذاب، وقالوا: مجنون، وقالوا: ساحر، وقالوا: كاهن، فكان ذلك يؤذي النبي ﷺ لكن لا يضره، قال الله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ﴾ [الأنعام:٣٣]، فهذه تسليه من الله جل في علاه، فالله جل في علاه أثبت أن الإيذاء يصل إليه ويصل لنبيه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأحزاب:٥٧].
إذًا فالإيذاء يخالف الضرر، فالضرر نقص فلا يصل إلى الله، وأما الإيذاء فليس بنقص، والإيذاء يخالف الضرر، فقد أثبت الله لنفسه الإيذاء ولم يثبت له الضرر، فالإيذاء كالسب والانتقاص من مقدار الله جل في علاه، كما قال الله تعالى حاكيًا عن هؤلاء الملاعين عندما قالوا: ﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران:١٨١].
فنسبوا الفقر إليه سبحانه وهذا إيذاء، وقالوا أيضًا: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة:٦٤]، فآذوا الله جل في علاه بالسب والشتم والتنقص، والله جل في علاه هو أغنى الأغنياء، والله جل في علاه له يدان كاملتان مبسوطتان، وله عينان سبحانه جل في علاه، وله صفات الكمال.
وكذلك الملائكة أيضًا يصل إليهم الإيذاء مع أن الإنسان لا يستطيع أن يضرهم بشيء، فالملك لا تستطيع أن تضره لكن تستطيع أن تؤذيه، كما قال بعضهم: إن الملائكة بنات الله، فهذا إيذاء لهم؛ لأنه تنقص من قدرهم، وكذلك من ذهب إلى المسجد وقد أكل بصلًا أو ثومًا فإنه يؤذي إخوانه المسلمين، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.
والذين ينسبون لله الولد فهذا أيضًا من الإيذاء وليس من الضرر، إذًا فالنبي ﷺ جاء ليقطع دابر هذا الاعتقاد الخاطئ في سب الدهر.
12 / 3