ولولا محاولة أخيرة في قراءة رابعة لعصور في فوضى، تسعى للاطمئنان اليائس قبل أن أنفض يدي من شئون البحث، قصدت منها مراجعة أخيرة لمكمن سقطاتي البحثية قياسا على نتائج «فليكوفسكي»، لأضعها بين يدي باحث صديق أطمئن لإخلاصه ليأخذ الخطوة المناسبة. أقول: لولا تلك القراءة ما كان ممكنا أن أكتب هذه الصفحات؛ فسرعان ما بدأت تتتالى اكتشافاتي لمكامن الشراك والفخاخ، وبدأ التلفيق يظهر ثم تزييف الدلالات آخذا بعضه برقاب بعض، تلك الشراك التي تمت صياغتها وترتيبها بحرفية عالية الجودة، وبإتقان غاية في الكفاءة.
وهنا لا أجد مندوحة من إطلاع قارئي على فكرة أساسية تتعلق بذات الوثائق التي استشهد بها «فليكوفسكي» من نصوص مصر القديمة، وأدت فيها تلك الوثائق - عندنا - دورا يختلف تماما، وسنكتفي بتلك الفكرة الأس في عملنا «أوزيريس ...» والتي استغرقتها ثلاث أسر في الدولة المصرية القديمة (الرابعة والخامسة والسادسة)، وما أفرزته تلك الأحداث من بنى فكرية. مع عدد من القرائن والبراهين التي تشير إلى ثورة جماهيرية شعبية حقيقية، صاحبتها حركة فكرية نشطة أفرزت للثورة تنظيرها ووضعت لها أيديولوجيتها، تلك الأيديولوجيا التي تمثلت في ديانة جديدة، ورب جديد، يهتم بشئون المستضعفين، ويضع أسس النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي طمح إليه الثوار، وقد تمثلت الأدلوجة في ديانة الإله «أوزيريس»، وهو ما دفعنا لجمع عدد آخر من البراهين لدعم فكرة محورية، هي حداثة ذلك الإله بالنسبة للآلهة الرسمية وشبه الرسمية، وأن ظهوره وافق مقدمات تلك الثورة، مما استدعانا الرجوع إلى ما تركه العصر من تراث أدبي ينطق بما حدث، وكان على رأس تلك الأدبيات «بردية لايدن».
ولا يبقى الأن سوى موقفين يجب أن يثبت أحدهما صدقه الموضوعي: الأول: أن تكون الأحداث التي سجلتها البردية تصويرا حقيقيا لكارثة الخروج كما رواها الكتاب المقدس، والثاني: أن تكون تلك الأحداث تصويرا لثورة شعبية، واعية لأهدافها الطبقية، دلت عليها - في رأينا - روح ثورية في أشعارها، متضمنة مطالب بالعدل الاجتماعي، والتقريب بين الطبقات، مع بعض المحافظة التقليدية الطبيعية تماما، من شاعر حكيم، أتاحت له ظروفه الاجتماعية ذلك القدر من التعليم .
وحتى لا نفعل فعل «فليكوفسكي»، فسنقدم الوثيقة كما ترجمها المتخصصون من علماء المصريات عن الهيروغليفية، ولن نتدخل في النص إطلاقا، فقط سنسقط الأبيات التي يعاد تكرارها نصيا، مع الاستعانة الأساسية ب «سليم حسن»، مع التدخل بالاستعانة بترجمة «جاردنر» في بعض المواضع لما قد نجده غير واضح أو مفهوم لتيسيره على القارئ، كذلك سنستعين بترجمة «هنري برستد» لذات الغرض في أحيان أخرى، وللمدقق أن يراجع وراءنا.
يقول الحكيم «إبيور»:
حقا فإن (... تالف)، وملأى بالعصابات، ويذهب الرجل ليحرث ومعه درعه ...، وحامل القوس أصبح مستعدا، والمجرمون في كل مكان.
حقا إن النيل في وقت الفيضان، ولكن لا أحد يحرث من أجله ...
حقا لقد أصبح المعوزون يمتلكون - الآن - أشياء جميلة، ومن كان يرقع نعليه أصبح صاحب ثروة.
حقا إن القلب لثائر، والوباء قد أنبث في كل الأراضي، والدم صار في كل مكان، ولفائف المومياوات تتكلم. «حقا لقد أصبح الحزن يملأ أصحاب الأصل الرفيع، أما الفقراء فقد امتلئوا سرورا»، وأضحت كل قرية تقول: دعونا نقصي العتاة من بيننا.
حقا لقد أصبحت «الأرض تدور كعجلة صانع الفخار، وصار اللص صاحب ثروة ...»
Halaman tidak diketahui