انظر يا يهوشع الكاهن العظيم ... لأني ها أنا ذا آتي «بعبدي الغصن» ... وأن الإله سوف يزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد. (زكريا، 3)
أما الأمر الواقعي في تلك الصورة فيوعز بأن يهوشع الكاهن قد لطخ نفسه بتصرفات غير لائقة، مما دفع زكريا الكاهن لشرح ذلك باعتباره آية للناس وضرب مثل، وأن الله لا يرضى الهجوم على خدامه الكهنة، لكن من هو «غصن جذع داود»؟ هو الذي كان باقيا من سلسال داود: «زربابل».
هكذا كلمة يهوه إلى زربابل قائلا: لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي ... إن يدي زربابل قد أسستا هذا البيت فيداه تتممانه. (زكريا، 4)
لكن زكريا كان كاهنا وتشغله سيادة الكهنوت على الملك المدني؛ لذلك قام بصناعة الذهب المرسل من يهود بابل تاجا ملكيا، وكي تتدعم سلطة الكهنوت ألبسه للكاهن يهوشع وليس زربابل، مما دفع زربابل إلى الغضب ومغادرة أورشليم والعودة إلى بابل. وقد سعد الكهنة بخروج هذا المنافس بعد أن استثمر اسمه كثيرا، وتوقيا لأي نزعات تمردية أو انفصالية قد يسعى لها. ويبدو أن زربابل قد ذهب إلى بابل يطلب دعم اليهوذيين المقيمين هناك، لكن ليختفي بعد ذلك ذكره تماما، «ويختفي النسل الملكي ولا يظهر إلا بعد ذلك خلال القرن الأول الميلادي عندما جاء يسوع الناصري ليعلن أنه البذرة الباقية من فرع داود وغصن سليمان وأن في عروقه يسري الدم الملكي».
وفي النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد كان هناك نبي آخر يطلق نبوءاته مؤكدا على اقتراب يوم يسود شعب يهوه بقدوم يوم يهوه؛ ذلك كان عوبيديا 450ق.م، الذي قام يؤلف نبوءاته في الأيام الأخيرة للأسر البابلي، ووقف يتذكر ضعف شعب إسرائيل، وكيف قامت الشعوب المجاورة بنهب يهوذا، موآب وعمون وبالذات آدوم، ليرى الآن آدوم تلقي ذات العقاب؛ حيت قام أعراب الجزيرة بمهاجمتها ونهب أرضها، كان هذا دليلا على أن يهوه لم ينس شعبه فعاقب أدوم، كما كان دليلا على اقتراب يوم يهوه الذي سيحاكم فيه كل الشعوب التي آذت شعبه الذليل. ويعطي «العلامات المنبئة بقدوم هذا اليوم»:
دمار ونار وأعمدة دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم يهوه المخوف ... لكن في جبل صهيون وفي أورشليم تكون نجاة ... وتعلمون أني أنا وسط إسرائيل وأني أنا يهوه إلهكم وليس غيري. (عوبيديا، 2: 30-32؛ و27-29)
في تلك الأيام وفي ذلك الوقت عندما أرد سبي يهوذا وأورشليم، أجمع كل الأمم وأنزلهم إلى وادي يهو شافاط وأحاكمهم هناك، على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بددوهم بين الأمم ... مصر تصير خرابا وآدوم تصير قفرا خربا من أجل ظلمهم لبني يهوذا، الذين سفكوا دماء بريئة في أرضهم. (عوبيديا، 3: 1، 2، 19)
وعند ذلك ستصبح يهوذا جنة الله في الأرض:
ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيرا والتلال تفيض لبنا، وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء، ومن بيت يهوه يخرج ينبوع ويسقي وادي السنط. (عوبيديا، 3: 18)
كان عوبيديا يحاول تعزية العائدين من الأسر زمن جفاف وقحط لم يحدث مثله من قبل، بينما كان زميله يوئيل 400ق.م يؤكد أن هذا القحط والجراد المتتالي الدوري علامة على اقتراب يوم يهوه، وفي أفق التاريخ يسجل الدين اليهودي قفزة نوعية على يد يوئيل عندما يرى أن ذلك اليوم سيكون يوم الدينونة العظمى لكن ليس لشعب الرب، بل للشعوب الوثنية؛ لأن شعب يهوذا لن يحتاج محاكمة فقد دفع سلفا كل ديونه وتطهر من آثامه بما لقيه من عذابات وتشريد. وستنسكب روح يهوه على شعبه المختار ويصبحوا جميعا أنبياء مطهرين. ومع كتاب عوبيديا الصغير ظهر كتاب ملاخي النبي 450ق.م، إبان كانت يهوذا مقاطعة هزيلة ضمن الإمبراطورية الفارسية، وبعد إقصاء زربابل والتحكم الكامل لكهنة يهوه في بلاد يهوذا، حيث لا نرى إطلاقا أية سلطة مدنية (ملاخي، 2: 27)، وتحول الأنبياء عن الثورة للشعب الفقير إلى سند أيديولوجي للكهنة. وحاول أن يجيب على سؤال الشعب للرب «أحببتكم قال يهوه وقلتم بم أحببنا؟» بأنه على الأقل لم تتعرض يهوذا لهجوم العربان الذي قضى تقريبا على آدوم؛ لذلك على يهوذا أن تشكر الله؛ أنها لم تدمر مثل آدوم لذلك عليها ألا تتذمر على ربها، ثم إن يهوه ليس مغمض العينين؛ فشعب يهوذا لا يقرب قرابينه ليهوه في معبده إلا من مواشيه المريضة ونباته المعطوب؟!
Halaman tidak diketahui