إن أثرياء الشعب المختار لم يكتفوا بظلم الفقراء من بني إسرائيل، بل ذهبوا يسجدون للعجول في بيت إيل وفي الجلجال وفي بئر سبع، ولهذا قرر يهوه عقاب شعبه على خطاياه وجرائمه، وباسم الإله انهال عاموس بالوعيد على من تخيلوا أنه بإمكانهم رشوة يهوه بالقرابين لكسب رضا الكهنة الكسالى المتخمين؛ ولذلك كان عاموس أول نبي يعلن أن سبب غضب يهوه الآتي هو «خطايا أصحاب الثروة» والجاه، ولذلك سيعاقب الشعب جميعه، لكن الأغنياء سيحظون بنقمة أعظم في «يوم يهوه». وكان عاموس أول من قال بفكرة «يوم يهوه» الذي يحمل دلالة حساب الإسرائيليين على ما قدمت أيديهم.
ويل للذين يشتهون يوم يهوه، لماذا لكم يوم يهوه؟ هو ظلام لا نور. (عاموس، 5: 18)
لكن أبدا لم يصل عاموس ولا بقية الأنبياء من بعد بفكرة العدل الاجتماعي إلى نهايتها المنطقية، بالدعوة إلى مقاومة الاستغلال والظلم، لسبب بسيط في كل الأديان، وهو «أن تلك الدعوة تتناقض جوهريا مع صلب المشيئة الإلهية التي توزع الأرزاق بمعرفتها». فقط كان عاموس غاضبا من الظلم الواقع على الفقراء من أولئك الذين يصورهم:
المضطجعون على أسرة من العاج، والمتمددون على فرشهم، والآكلون خرافا من الغنم وعجولا من وسط الصيرة، الهاذرون مع صوت الرباب، المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود، الشاربون من كئوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان. (عاموس، 6: 4-6)
لذلك قام عاموس يتوعد شعب إسرائيل بالسبي والأسر على يد أمة قوية، لكنه كان يطمئن المخلصين أنهم سيعودون بيد يهوه من الأسر إلى فلسطين، لبناء المدن الخاوية «ولن يقلعوا من بعد من أرضهم التي أعطيتهم، قال يهوه إلهك» (عاموس، 9: 15).
كان عاموس مشغولا بالظلم الاجتماعي أكثر من انشغاله بتحقير الآلهة الأخرى للشعوب؛ فقد ثبت أن «الشعوب الأخرى قوية بما فيه الكفاية للدلالة على قوة آلهتها»؛ لذلك ظلت فكرة التعددية قائمة لدية مع تفضيل يهوه عن بقية الآلهة؛ فهو مثلا يعبر عن سر هزيمة شعب موآب على يد الملك الإسرائيلي عمري، بأن شعب موآب انصرف عن ربه البعل كموش وأهمل وصاياه «لأن كموش غضب على شعبه!»
واتخذ عاموس من ذلك مثلا لما سيحدث مع الإسرائيليين الذين أغضبوا يهوه، فقام يتنبأ بسبيهم ودمار بلادهم. لكن عاموس - مع بعض الغموض - يضع أحيانا مصائر الشعوب الأخرى بيد يهوه، «في رؤية بدائية لعالمية الرب»؛ فموآب هزمت لأن ربها كموش غضب عليها، ولأن يهوه شارك أيضا في عقاب موآب لأنهم عندما هزموا بلاد آدوم «أحرقوا عظام ملك آدوم» (عاموس، 2: 1). وبذلك فإن عقاب يهوه سينال الشر في أي موطن حتى لو كان هذا الموطن لشعب وثني، أو لشر ارتكبه شعب وثني في حق شعب وثني آخر. كما عاقب موآب لحرقها ملك آدوم!
وبالفعل تتحقق نبوءات عاموس، ويهبط الآشوريون بجيوشهم على مملكة إسرائيل، ويسبون أهلها وبخاصة الطبقة المترفة منهم، واحتل سرجون الثاني الآشوري إسرائيل بعد أن نهبها، لكننا بقدر من التدقيق في مصادر التاريخ نكتشف «أن عاموس لم يكن بحاجة لوحي يهوه لكي يدرك أن الخطر الآشوري قد بات على أبواب السامرة»، خاصة بعد اتجاه جيوش تجلات بلاسر الثالث الآشوري جنوبا، وتهجيره أينما حل وفتح للنخبة من البلاد المفتوحة إلى آشور.
فماذا تقول لنا وثائق علم التاريخ حول نبوءات عاموس؟
من نصوص شلمناصر الثالث الآشوري نقرأ متون الفتوحات التي تؤكد أنه قد تلقى الجزية من صور وصيدون ومن ياهو بن عمري الذي دون اسمه هكذا
Halaman tidak diketahui