وكان بإمكان هؤلاء الأنبياء إشعال الحروب وخلع الملوك وتنصيب من يريدون ، وكانوا من رجال الدين غير النظاميين وأشبه بالدراويش اليوم؛ فلم يخضعوا لهيكل من الهياكل بل يزعمون تلقي الوحي مباشرة من يهوه الذي تتملك روحه النبي فينطق بلسانه.
وعادة ما نجد بعضهم في صف الشعب يدافعون عن قضاياه ضد المؤسسة الدينية الرسمية وكهانها المسيسين، وقد ظهر سلطانهم ونما منذ القرن العاشر قبل الميلاد، ولم يأت منتصف القرن التاسع قبل الميلاد حتى أصبحوا أهم عناصر الجماعة الإسرائيلية، بل وربما قام بعضهم أحيانا باتصالات مع الدول المعادية لتقويض نظام وسلطان الداخل المرفوض.
وسلك بعضهم سلوكا نافرا غريبا من باب المخالفة الواضحة كالزواج من الدواعر والزانيات العلنيات، أما جميعهم فكانوا يثيرون الدهشة بالسير عراة تماما كما ولدتهم أمهاتهم رمزا للتخلي عن الدنيا الفانية. ولا يفوتنا هنا التأكيد أنه كان في فلسطين أنبياء آخرون من أهل البلاد من أتباع الإله الزراعي بعل، وقد ذاع صيت نبي موآب المدعو بلعام بن بعور الذي ورد ذكره بالعهد القديم كمناصر للإسرائيليين ضد شعبه، مما يشير إلى مكافأة كبرى من إسرائيل لذلك النبي الخائن لملته وشعبه، ناهيك عن كون تلك الكثرة جعلت أنبياء إسرائيل عادة يكذبون بعضهم بعضا.
وكان لسلوك الأنبياء ما جعلهم أحيانا في نظر الطبقات المحترمة والراقية مصدر نفور واحتقار، وهو ما عبر عنه «م. ريجسكي» بقوله: «إن الذين كانوا يصبحون أنبياء. بالإضافة إلى سلوكهم الغريب «أثناء الشغل» عندما يهتاجون بسبب الموسيقى الوحشية لآلاتهم الموسيقية، فيصلون إلى حالة النشوة ويخلعون ثيابهم ويصرخون ويقفزون ويكيلون الضربات لأنفسهم، كان يستدعي لدى الناس موقفا فيه بعض الازدراء تجاههم، ولم يكن نادرا أن يصبحوا مادة للسخرية؛ فسكان جبعة جيران شاول (جميع الذين عرفوه منذ أمس وما قبله) حين رأوه «يتنبأ مع الأنبياء» راحوا يسألون بدهشة: «أشاول أيضا من الأنبياء ... ومن هو أبوهم؟» ولم يكن معنى ذلك أبدا: كيف يتواجد رجل دنيوي وسط أناس ورعين كهؤلاء، بل على العكس من ذلك: كيف وجد ابن شخص محترم مثل يس، شاب من عائلة جيدة، في مجتمع رديء كهذا؟ لقد كان البعض يعتبر الأنبياء أناسا مجانين ويتخذ منهم الموقف المطابق لذلك: «لماذا جاء هذا المجنون إليك؟» (ملوك ثاني، 9: 11).»
1
ومن أهم الأنبياء كان عاموس أول من أخذ على عاتقه مهمة تبرئة يهوه من نقض عهده مع إسرائيل. وقد عاش في السنوات الأخيرة لحكم الملك الإسرائيلي يربعام بن يوآش الذي حكم من 793 إلى 783 قبل الميلاد، وكان عاموس من قرية تقوع الواقعة جنوبي بيت لحم في مملكة يهوذا الجنوبية.
ينظر عاموس حوله فيجد الأغنياء يمرحون في بذخ وترف وذهب وخمر، وكان بإمكانهم تقديم القرابين ليهوه ليرضى، بينما الفقراء في ضنك شديد ولا يملكون حق القربان لتقديمه ليهوه لينظر إليهم وإلى مشاكلهم، ومن هنا يقف عاموس يعلن وحي يهوه إذ يقول:
بغضت، كرهت أعيادكم، ولست ألتذ باعتكافاتكم، إني إذا قدمتم لي محرقاتكم لا أرتضي، وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها، أبعد عني ضجة أغانيك، ونغمة ربابك لا أسمع. (عاموس، 5: 21-23)
لقد بدأ الحس بالفوارق الاجتماعية يتضح ويعلو زمن عاموس الذي أعلن أن يهوه لم يعد يرضى بالثيران السمينة والعزف في معبده، إنه يريد الآن العدل. والآن كيف سيتدخل يهوه؟ كان عاموس لم يزل يؤمن بفكرة «الجزاء الجماعي» ومسئولية الكل عن خطأ البعض ومن هنا أعلن يهوه بلسان عاموس.
قد أتت النهاية على شعبي، لا أعود أصفح بعد. (عاموس، 8: 2)
Halaman tidak diketahui