ويخبر يهوه كليمه أن الخطر في مصر قد زال عنه «لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك» (خروج، 4: 19)، لما احتج موسى لربه أنه لن يستطيع مجادلة الفرعون الجديد، في أمر خروج بني إسرائيل من مصر، لأنه «ثقيل الفم واللسان» (خروج، 4: 10)، و«أغلف الشفتين» (خروج، 6: 12)، فإنه يدعمه بأخيه هارون، ويتجه الأخوان للقاء الفرعون الذي لا تحدد الرواية من هو؟ ولا اسمه. «وبعد ذلك دخل موسى وهارون وقالا لفرعون: هكذا يقول الرب إله إسرائيل: أطلق شعبي ليعبدوني في البرية، فقال فرعون: من هو الرب حتى أسمع لقوله فأطلق إسرائيل؟ لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه، فقالا له: إله العبرانيين. فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ، ونذبح للرب إلهنا، لئلا يصيبنا بالوباء أو بالسيف، فقال لهما ملك مصر: لماذا يا موسى وهارون تبطلان الشعب من أعمالهم؟ اذهبا إلى أثقالكما» (خروج، 5: 1-4).
وكان رد رب موسى: «الآن تنظر ما أنا فاعله بفرعون، فإنه بيد قوية يطلقهم، وبيد قوية يطردهم من أرضه ... أنا أعطيهم أرض كنعان؛ أرض غربتهم التي تغربوا منها» (خروج، 6: 1-4).
والواضح هنا محاولة ربط التوراة بين الوعد القديم لإبراهيم من الإله إيل، وبين قبيلة راحيل أو بني إسرائيل المقيمين بمصر والإله الجديد يهوه، ولا تخفى على لبيب إشارة التوراة التأكيدية المتكررة، أن أرض فلسطين بالنسبة لبني إسرائيل هي أرض غربة أرضا أصلية لهم.
ثم تتتالى الأحداث متمثلة في معجزات متتالية، تفسرها حالة الانتقال البشري من التعامل مع الطبيعة كآلهة إلى آلهة مفارقة ومنفصلة عن الظواهر، ومن صيغة الأسطورة إلى صيغة الدين، وحيث كان السحر هو منهج الفكر الأسطوري وأداته الفعالة للتعامل مع الظواهر، وحيث إنه كان ممكنا للدين أن يبدأ من لا شيء، فقد دخل السحر في متن أدوات الدين والمنهج الجديد، وذلك قبل أن يتجاوزه فيما بعد، ويحاول التخلص منه ويدينه ويستنكره؛ ومن ثم استخدم الدين الطالع ذات الأدوات وذات المناهج السحرية القديمة، فأمر يهوه موسى أن يطرح عصاه أمام فرعون، لإثبات أن يهوه أشد سحرا وأقوى أثرا من سحرة الأساطير ومن الطبيعة، فتتحول العصا إلى ثعبان، فيستعدي فرعون مصر حكماء بلاده وسحرتهم فيفعلون الأمر ذاته، لكن السحر الجديد، يتسم بقدرة سترفع الأمر من مجال السحر والأسطورة، إلى مجال السحر والدين، كمرحلة انتقالية بشعائر وطقوس تضع المطلوب كله بيد الرب المفارق المتجرد، لكن تثبيت البداية الجديدة، تم بذات الأسلوب القديم، فابتلعت عصا موسى عصي المصريين (خروج، 7: 9-12).
ثم يلي ذلك مجموعة من الممارسات السحرية في ثوب إعجازي، يبدو صراعا بين أسلوبين من الحياة، أو بين أدلوجتين مختلفتين، بل ومتنافرتين، وتتحول العصا (عصا الراعي) إلى أداة فعالة في يد النهج الرعوي، لرأب صدع نفسي إزاء أهل الخصب، تلك الحالة النفسية التي كثيرا ما غذتها حاجة البدو الدائمة للانتجاع على حدود البلاد المستقرة حول الأنهار، طلبا للقوت، والإغارة في أحيان كثيرة على تلك الحدود، لسلب المحصول بعد جمعه، بشكل دوري سجله لنا التاريخ، ومن هنا يقوم يهوه بتدمير كل مظاهر الخصب والنماء، في الضربة الأولى للمصريين:
قال الرب لموسى: قل لهارون: خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين، وعلى سواقيهم، وعلى آجامهم، وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دما، فيكون دم في كل أرض مصر فتحول كل الماء الذي في النهر دما، ومات السمك الذي في النهر وكان الدم في كل أرض مصر ... وحفر جميع المصريين حوالي النهر لأجل ماء ليشربوا؛ لأنهم لم يقدروا أن يشربوا من ماء النهر. (خروج، 7: 19-24)
وهكذا ينتقل الصراع إلى تدمير عصب الخصب ممثلا في النهر، وتتحول عن كونها محاولة للخروج والتمرد يقودها موسى أمام فرعون، إلى عقاب جماعي يصيب كل شعب مصر، النقمة هنا تتحول لكيان المجتمع كله، فتأتي الضربة الثانية من يهوه لمصر:
ثم قال الرب لموسى: قل لهارون: مد يدك بعصاك على الأنهار والسواقي والآجام، وأصعد الضفادع على أرض مصر ... فصعدت الضفادع وغطت أرض مصر. (خروج، 8: 5-6)
ويتبعها مباشرة بالضربة الثالثة:
ثم قال الرب لموسى قل لهارون: مد عصاك واضرب تراب مصر ليصير بعوضا في جميع أرض مصر. (خروج، 8: 16)
Halaman tidak diketahui