23
فإن ذلك يدعم مذهبنا؛ لأنه من الطبيعي أن تكون حاشيته متشكلة ممن مهدوا له السبيل إلى العرش، ومن هنا نفهم لماذا قام بتصفيتهم جميعا بعد ذلك.
كما أن في بردية «نفررحو» معاني كثيرة تؤيد ما ذهبنا إليه، ونسوقها هنا كأدلة جديدة لم ندرجها بكتابنا المذكور؛ فالمعتاد أن يسبق اسم فرعون ويتبعه عدد غفير من ألقاب التشريف والسيادة والتفخيم إلى حد مبالغ فيه، ويثير عجبا شديدا بين الباحثين، وهو الأمر الذي تخلو منه هذه البردية تماما، وهو أمر خارج على المألوف بالمرة. ناهيك عن كون الملك يخاطب حاشيته بالنداء: «إخوتي» ويتوجه بالحديث لأحد رعيته بالقول: «يا صاحبي»، وبدلا من أن يأمر بإحضار الكاتب الملكي، يقوم هو بهذا الدور ليسجل ما يقول واحد من بين أصغر رعاياه. وهي مشاهد لا يمكنك أن تجدها قبل أو بعد تلك الوثيقة النادرة، في تراث مصر القديمة. أما أن يطلب صاحب الجلالة مرتلا يؤنسه فيخبره رجاله لزيادة سعادته وإدخال السرور على قلبه أن مثل ذلك الرجل موجود، وأنه ليس رجلا عاديا، ويبشرونه بوصف الرجل المطلوب بالوصف «رجل شعبي قوي الساعد»! فهو أمر في غنى عن التعليق.
والآن ماذا قدم لنا «فليكوفسكي» بشأن بردية الأرميتاج!
بعكس الجميع فإن كلمة «أميني» تشير عنده إلى «أمنحتب الأول» ابن الملك «أحمس» ملك التحرير، ويعد «آمنحتب الأول» ثاني ملوك الأسرة الثامنة عشرة. والاسم هنا بدوره ملصق من مقطعين «آمن + حتب»، ولأنه يريد من كلمة «آميني» أن تشير إلى محرر مصر من الهكسوس؛ لأنها لا تلتقي مع المحرر «أحمس»، فلتلتق مع ولده، ولأن «آميني» من «تاستي» بالنوبة، فلا بد أن يكون أسود اللون وهو لون «آمنحتب الأول»، لكنه أيضا لون «آمنمحات» وأغلب حكام مصر من ملوك طيبة. «ميني» إذن يحتمل أن تشير «لآمنمحات» حتى يتزامن التاريخ مع زمن التوراة، ولأن الفاصل بين الرجلين «آمنمحات الأول» و«آمنحتب الأول» يصل إلى قرون، إلا أن أخطر ما يدحض «فليكوفسكي» تماما، هو نص البردية الذي يصف «آميني» بأنه ابن أحدهم؛ أي ليس سليل بيت ملكي فهو ملك ابن ملك من ذات الأسرة الحاكمة، بينما الملك «آمنحتب الأول» هو ابن الملك «أحمس» بن الملك «سقننرع» ... إلخ، أما «آمنمحات» فرجل من عامة الشعب، وهكذا لا ينطبق الوصف على الملك الذي اختاره «فليكوفسكي» ليتزامن مع تاريخه، وقصد به أن يطابق «آميني» مع «آمنحتب الأول» ليستطيع أن يجعل من بردية الأرميتاج برمتها شهادة على أحداث الخروج ودخول الهكسوس.
أما الدحض الثاني لهذا السند لإعادة كتابة التاريخ حسب التزمين الفليكوفسكي، فهو ما جاء، في نص البردية: «... الآسيويون سيقتلون بسيفه ... وسيقوم أسوار الحاكم حتى لا يتمكن الآسيويون من غزو مصر.» والمعلوم أن سور الحاكم الذي كان يشار إليه بالتعبير «حائط الحكم التي أقيمت لصد الآسيويين والقضاء على عابري الرمال» قد بنيت في عهد ملوك الأسرة الثانية عشرة
24
أسرة «آمنمحات» وقبل زمن «آمنحتب الأول» بستة قرون كاملة.
وبمزيد من البحث والتدقيق، نجد في وثائق الأدب المصري، وفي قصة «سنوحي» تحديدا، وهي قصة أدبية مشهورة، دليلا قاطعا على أن «حائط الحاكم» قد أقيم زمن «آمنمحات الأول»، أو أنه كان موجودا في آخر أيام هذا الملك، وبعد القضاء التام على أي آثر ل «العامو حريشع» بمصر؛ فيحكي «سنوحي» بعد أن بلغه نبأ محاولة اغتيال الملك «آمنمحات الأول»، ودون أسباب واضحة لم تزل شاغلة للمهتمين من الباحثين، يشعر المحارب «سنوحي» بالذعر الشديد، ونظن السبب واضحا مع رؤيتنا التي قدمناها، وموقف سنوحي يشير إلى كونه كان أحد القيادات الشعبية المتآمرة على الملك، بل وكان شريكا مخططا على الأقل؛ لذلك نجد سنوحي يهرب فورا إلى آسيا بعد أن غافل حراس «حائط الحاكم» أو بالنص في قوله: «وأعطيت الطريق لقدمي - وهو يشبه تعبيرنا: أسلمت قدمي للريح - ولما اقتربت حائط الحاكم المقامة لرد الآسيويين والقضاء على عابري الرمال، قعدت القرفصاء تحت أجمة خشبية، خشية أن يراني حراس الأسوار أثناء تأديتهم لخدمتهم اليومية».
25
Halaman tidak diketahui