Islam dan Peradaban Arab
الإسلام والحضارة العربية
Genre-genre
وكان تعاطي الخمر من عادات الجاهلية التي لم يقرها الإسلام، وهناك عادات كانت مألوفة أبقاها بحالها، وحرم أشياء من المأكولات لثبوت ضررها، فقال تعالى:
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب ،
53
وفي الحق إن القول بصلاح المسكرات وعدمه لا يحتاج إلى مناقشة بعد أن ثبت لأمم الغرب أنها ضارة، وأخذت تقاومها بكل حيلة لما عرف من إضرارها بالعقول والأجسام والمجتمعات، حتى قال كليمانسو من كبار ساسة فرنسا: «إن الغول (الألكحول) بالكمية التي يتناولها كثير من معاصرينا هو سم زعاف يخرب النشاط البشري بل يقضي على كل مجتمع.» وقال هريو:
54 «إن معظم من في ملاجئ المجانين - بسبب الغول - يكلفون الحكومة نفقات باهظة كان الأولى بها أن تنفقها على المعوزين البائسين، والأمة التي تبقي على هذه السخافات تحكم على نفسها بالفناء.»
ومن غريب الآراء التي قال بها أحد علماء الأميركان قوله: «إن المسلمين
55
كانوا أيام تعاطيهم الخمور تزهر مدنيتهم، وتأتي بأعمال جليلة في الفتوح والأفكار، والمسلمون أبناء شعوب تشرب الخمور، وقد اشتهرت بالفاتحين منهم في إسبانيا خمور ملقة وشريش، ولما استبدل المسلمون القهوة بالخمور في القرن الخامس عشر، سقطت الحضارة الإسلامية من شاهق مجدها، بعد ثلاثة قرون مضت على إبدالهم الغول بالقهوة.»
ولا شك أن هذا الرأي صادر عن رجل أولع بحب الخمرة، وشق عليه أن يرى أمته تحظر في بلادها تعاطيها لما ثبت لها من إضرارها بالناس، وأي إيغال في الخيال، وتضليل للعقول، وإفساد للتاريخ، أعظم من أن يدعي هذا المؤلف أن كل حضارة قامت في الأرض تمت على أيدي شعوب تشرب الخمور ومنهم المسلمون، وأن يزعم أن هؤلاء كانوا أرقى كعبا في الحضارة لما كانوا يعاقرون الخمرة، مع أن الثابت في القرون الأولى للإسلام أن أهله كانوا أقل شربا للمسكرات، بل إن من أهل الجاهلية من صانوا أنفسهم عن تعاطيها حفظا لمروءتهم؛ ولذلك اشتد العرب يوم قيام دولتهم بالإسلام في إقامة الحدود على الشاربين، وما نتلوه من أخبار مجالس الشراب في قصور بعض الأمراء والخلفاء والعظماء مبالغ فيه، بل منه الموضوع بلا جدال، وقد لا يقصد منه إلا النادرة، أو الحط من قدر ملك أو خليفة أو أمير أو كبير؛ لأنه كان من أهم المطاعن في إنسان كونه يتعاطى شيئا من مذهبات العقول، والظاهر من مضامين التاريخ الإسلامي أن من ابتلوا من الأمراء والسلاطين بشرب الخمور، واسترسلوا في بلائهم، كان منها زوال دولتهم، وانقضاء أيام سلطانهم، بما نال أعداؤهم منهم لكونهم ما قدروا وهم شريبون خميرون أن يجعلوا لأعمالهم وأقوالهم وزنا، وشغلوا بأنفسهم أي بسكرهم، وألقوا الأعمال على عاتق من ائتمنوهم فخانوهم.
وإذا كان تعاطي أقداح الراح يؤدي كما قال المؤرخ الأميركي إلى تأصل الحضارة في الأمة، وقيام أمرها على أمتن الدعائم، فما بالنا لا ندعو إلى الخمور نشربها حتى نستعيد حضارتنا السالفة، ولا نأتي ما أتته أميركا اليوم من هذا الترتيب الجاف كما يدعونه، أي الذي يدعو إلى الامتناع عن الغول مهما كان نوعه، وننجو بذلك من العار في احتساء القهوة السوداء، مستعيضين عنها بالقهوة الحمراء والبيضاء والدكناء والصفراء!
Halaman tidak diketahui