Islam dan Peradaban Arab

Muhammad Kurd Ali d. 1372 AH
151

Islam dan Peradaban Arab

الإسلام والحضارة العربية

Genre-genre

كان عبد الرحمن الداخل بعد أن قطع صلاته بالعباسيين يريد الأندلسيين على أن يعتبروا إسبانيا وطنهم الحقيقي، ينفق دخل مملكته في الأعمال النافعة؛ لعدم احتياجها إلى الجيوش الكثيرة والأساطيل البحرية، وكان خلفاؤه يرون أبدا أن ينسجوا على منواله، وصح أنه كان لبعض ملوكهم الخالفين جيوش دائمة تحت السلاح مستعدة للوثبة عند أقل بادرة، مما لم يكن يعهد في الغرب، ولم يعرف إلا في بعض الأدوار عند ملوك الشرق، وبلغ من عز الإسلام في عهد هشام الأموي، وكانوا يشبهونه بتقواه بعمر بن عبد العزيز، أن رجلا في أيامه، كان أوصى أن يفك أسير من المسلمين من تركته، فطلب ذلك فلم يوجد أسير يشترى ويفك؛ لضعف العدو وقوة المسلمين.

ترجم عرب الأندلس كتب اليونان واللاتين فكان لهم من ذلك حظ لا يقل كثيرا عن حظ خلفاء العباسيين في الشرق، ونجح العرب هناك من وراء الغاية في دراسة الرياضيات والفلك والطبيعيات والكيمياء والطب، وكانت لهم المخابر والمصانع، ولم يقل نجاحهم في الصناعة والتجارة عن دولة راقية من دول اليوم، فكانوا يبعثون بحاصلات المعادن ومعامل السلاح والحرير والجوخ والجلد والسكر والورق إلى إفريقية وسائر المشرق، على أيدي تجار من اليهود والبربر، وأهم ما لإسبانيا اليوم من أعمال الري هو من صنع العرب، فإنهم أدخلوا إلى سهول الأندلس الخصيبة زراعات منوعة، فأصبحت الأندلس جنة كبرى بفضل ثقافتهم العالية، وتناولت هممهم عامة فروع العلوم والصناعة والفنون، وكانت مشاريعهم العمومية على مثال مشاريع الرومان بعظمتها وفضل غنائها، وقد أنشأوا الطرق والجسور والفنادق للسياح، والمستشفيات والجوامع والرباطات في كل صقع وناد، وكان الأمويون في الغرب كالعباسيين في الشرق يجددون عهد بركليس على ما قال رينالدي، وكان الحكم الثاني أكثر ملوك الأندلس اشتغالا بالعلم ونشره وعناية به، وأجودهم في سبيله، فقد أسس في قرطبة وحدها 27 مدرسة كان يتعلم فيها أبناء الفقراء مجانا ، وروى دوزي

15

أنه كان كل فرد من الأندلس يعرف القراءة والكتابة، بينا كان في أوروبا جميع النصارى حتى النبلاء والأشراف منهم، لا يفكرون في التعليم، وأنشأ الوزير رضوان النصري (760ه) المدرسة بغرناطة ولم تكن بها. قال ابن الخطيب وهو الرجل الذي قل في الدول أمثاله ذكاء لم يكتسب من غير التجر والفلاحة مالا، وقد أقام من أعمال العمران ما يحسده عليه أعظم طواغيت الزمان.

يقول لوبس من علماء المشرقيات في البرتقال:

16

إن المنورين من مواطنيه البرتقاليين اليوم يقدرون الأمة العربية المجيدة حق قدرها ويدرسون مآتيها فيما أبقته من آثارها الخالدة، ولا سيما هندستها في المباني التي أصبحت خاصة بها، تفتخر بها الشعوب المتمدنة لعهدنا وتعجب منها، قال: وتاريخ العرب حافل بذكائهم وتقدمهم وسيادتهم في كل العلوم والفنون حتى في الزراعة فقد كانوا بعد غزوهم إحدى المقاطعات واضطرارهم إلى خرابها، يجعلون منها بعد سنين جنات حقيقية، وذلك بفضل مساعيهم وتفوقهم وتدابيرهم العجيبة.

ميزات الحكومات الأندلسية

ويطول بنا مجال القول إذا حاولنا أن نعرض هنا، لما خدم به الأندلسيون العلم على فروعه، والأدب في عامة ضروبه، فقد أشرنا إلى بعض ذلك في فصول سابقة كمواطن العربية وأثرها في اللغات الشرقية والغربية، وحال الغرب في شباب الإسلام، وأثر علوم العرب في الغرب، وأثر شعر العرب وفنونهم في الأمم الغربية، وتأثير العرب في البلاد المغلوبة، ويهمنا هنا أن نرسم صورة من صور الأندلس وعمرانها على عهد العرب؛ لأن من هذه الجزيرة انبعث نور العرب في غربي أوروبا، كما انبعث من جزيرة صقلية إلى أواسط أوروبا، وبذلك يثبت أن العرب إذا فتحوا جنوبي أوروبا بجيوشهم، فقد حملوا إليها جيوش علمهم وفنهم وصنائعهم، يحيون موات تلك الأقطار البعيدة من دار أعرابيتهم، ويلقنون أهلها معنى الحياة الراقية، ويذيقونها طعم السعادة، والعرب وإن كانوا إلى قلة في تلك البلاد، فقد أصلوا فيها حضارتهم ثمانية قرون، ولولا تخالف نشأ بين رجال الأمر فيهم، لظلوا يحكمون تلك البلاد، وينتجون ما ينفع الأرض وسكانها، وإن حاربتهم كثير من أمم أوروبا بتحمس الباباوات لها، حتى تعاون الجميع على إخراجهم، بعد أن قاموا بعملهم الشريف، ونقلوا إلى البلاد اللاتينية والجرمانية والإنجليزية وغيرها بضاعة علمهم الزاخر وخلقهم الباهر.

قال بعض الباحثين من الفرنسيس: «لما استولى العرب على ناربون وبروفنسيا وغيرهما عمروهما فأحسنوا عمارتهما، وكان شانجه أمير ليون يستشير بنفسه أطباءهم. وممن تعلموا في مدارس قرطبة لفنراربل ولابيه دي كلوني، وأخذت فرنسا من العرب أساليبهم في الزراعة، وحفر الترع والخلجان ونظام الري، وبلدوا في الأندلس النباتات والأشجار التي لم تكن تعرفها، فانتقلت إلى أوروبا. وأتونا بصناعة السجاد وإنشاء السفن، وفي كنيسة سان تروفيم بأرل وسانت سيزر وسانت آن نموذجات من منسوجاتهم الثمينة للغاية، وفي كنيسة سان بير بأرل نقوش عربية على غاية الجمال، وقد أدخلت العرب إلى بلادنا في القرن العاشر النقوش الرومانية.»

Halaman tidak diketahui