Islam sebagai Rakan
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genre-genre
إن مهمة إقامة وإدارة دولة تتفق مع مبادئ الدين تضع الإسلام في معضلة من نوع خاص؛ فمثل هذه الدولة تنتمي لمملكة المثل العليا التي قد يتاح للإنسان أن يرى ظلها في هذا العالم، ولكن ليس في وسعه تحقيقها في الواقع. إن الدين الإسلامي يفرض على المؤمن مهمة سياسية تتخطى حدود طاقته.
والحق أن النهوض بهذه المهمة يصبح منذ البداية أمرا سهلا وصعبا في آن واحد، والسبب في ذلك أنه لا توجد لها صيغة واضحة. والوحي الإلهي الذي أنزل على محمد في القرآن الكريم لا يحتوي على مشروع دستور مفصل، كما أن علماء الدين والشريعة المبكرين لم يهتموا بالتفكير في بنية الدولة تفكيرا منهجيا منظما. إن الشريعة الإسلامية تنظم علاقات الفرد بالله وعلاقته بغيره من الناس، ولكن ميدان القانون العام لا يحظى منها بالاعتبار. ومطالب الدين من الدولة مطالب ذات طابع عام. وتتطور الأفكار المتعلقة بكيفية تشكيل الدولة في توتر مستمر بين هذه المطالب العامة والمطلقة للدين من ناحية، وبين الواقع التاريخي من ناحية أخرى. ويصدق هذا على الدولة التي أسسها محمد، عليه الصلاة والسلام، وتولى تسيير أمورها بنفسه، ونظرت إليها الأجيال التالية نظرة الإجلال والتمجيد بوصفها تحقيقا للدولة الإسلامية المثالية. والواقع أن تلك الدولة تنطوي بوضوح على بعض السمات المستمدة من البيئة التاريخية التي أحاطت بها: من مجتمع القبائل البدوية العربية ، ومن المدن الزراعية والتجارية، ومن مظاهر التكيف مع المتطلبات العملية للسياسة في ذلك الحين.
لنبدأ الآن بالنظر في العناصر الأساسية التي تعبر عن متطلبات الدين: فالمشرع هو الله، وقد أنزل الشريعة مرة واحدة وإلى الأبد في القرآن الكريم، وليس في استطاعة البشر أن يغيروها، ولكنهم يستطيعون فحسب أن يفسروها، ولا يقتصر الحق في هذا التفسير للشريعة على فئة خاصة، وإنما هو حق لكل مسلم يمتلك المعارف العلمية والمواهب العقلية المطلوبة لذلك. وبهذا يمكن من الناحية المبدئية لأي إنسان حائز الشروط السابقة أن يكون قاضيا يحكم بين الناس. إن السلطة كلها في يد الله العلي القدير، وهو يفوض فيها إنسانا يتوسط بينه وبين الناس، وهو النبي الذي يخلفه بعد وفاته الإمام أو الخليفة (أي خليفة رسول الله). ويترتب على عقيدة التوحيد وعلى عالمية الإسلام أنه لا يمكن أن توجد إلا دولة واحدة، ولا يمكن أن يوجد في زمن محدد إلا خليفة واحد، ولا يمكن تصور وجود سلطات شرعية أخرى إلا إذا استمدت سلطتها من الخليفة الذي استمدها بدوره من الله.
ويصف لوي ماسينيون هذه الدولة الإسلامية بأنها دولة العلمانيين الدينية القائمة على المساواة،
3
فهي دولة دينية (ثيوقراطية) لأن القوة كلها والسلطة كلها لله وحده، وهي دولة دينية للعلمانيين لأن الإسلام لا يعرف نظام الكهنوت، ولا يعترف بوجود أحد يستأثر أو ينفرد بالتعمق في أسرار الدين. وهي أخيرا دولة دينية قائمة على المساواة لأن الناس جميعا، حتى الخليفة نفسه، متساوون أمام قدرة الله وأمام شرع الله، هذه المساواة بين الناس جميعا أمام الله والشرع، ومن ثم في النظام السياسي والاجتماعي، هي في الحقيقة فكرة ثورية جاء بها الإسلام إلى العالم. وهي تقوم بغير شك على أساس مثل أعلى متضمن في «دستور» القبيلة العربية القديمة، حيث كان لجميع الرجال الأحرار من الناحية المبدئية حقوق متساوية، ولكن الإسلام يذهب إلى أبعد من ذلك حين لا يقصر المساواة على قبيلة معينة ولا على فئة الرجال الأحرار داخل القبيلة، وإنما يمدها لتتسع لجميع المؤمنين. وتتجلى ثورية مبدأ المساواة الإسلامي بشكل أعظم بالنسبة لبنية الدول الشرقية العظمى القديمة بتفرقتها الحادة بين وضع الحاكم ووضع الرعية، وعندما يضع الإسلام الحاكم والرعية داخل نظام واحد من الحقوق والواجبات، فإنه يكاد يجعل أفراد الرعية أو المحكومين مواطنين بالمعنى الذي نفهمه اليوم من كلمة المواطن. ويبدو أن هذا الطابع الديني، إلى جانب طابع المساواة اللذين يميزان الدولة الإسلامية، يضعان حدودا ضيقة تقيد قوة السلطة وتحكمها. لا شك في أننا نقرأ في القرآن الكريم قول الله تعالي:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (النساء: 59) كما نقرأ كذلك قوله عز من قائل: ... ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (الكهف: 28).
وهناك أحاديث شريفة تضع واجب الطاعة وحدودها جنبا إلى جنب، وذلك في حديث شريف يقول ما معناه:
4
على المسلم شاء ذلك أو لم يشأ أن يسمع ويطيع إلا في معصية الله، كما في حديث آخر: «لا طاعة لمن عصى الله».
Halaman tidak diketahui