186

Islam Q&A

موقع الإسلام سؤال وجواب

Genre-genre

هل إعادة الحياة بعد موت بعض الناس ما يناقض أن الموتة واحدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[بصفتي أدرس الدين المقارن: بماذا أجيب من يسألني سؤالًا حول الآية في الإنجيل التي تقول "إنه قد كتب على ابن آدم أن يموت مرة واحدة، ثم يأتي الحساب"، مما يعنى أن كل إنسان سيموت مرة واحدة، فماذا أقول إذا سألني أحدهم: لماذا يقول الإنجيل بأن عيسى قد أعاد الحياة إلى " لزروس "، وبذلك فإنه عند وفاته فإنها ستكون ميتته الثانية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولًا: اختص الله تعالى الأنبياءَ بآيات بيّنات، وكانت آية كل نبي من جنس ما اشتهر به قومه، حتى تكون أدل على أنها من عند الله، وكانت آية عيسى ﵇ إبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الموتى، بإذن الله تعالى، كما قال: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/٤٩. قال ابن كثير ﵀: قال كثير من العلماء: بعثَ الله كل نبيّ من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه؛ فكان الغالب على زمان موسى ﵇ السحر، وتعظيم السحرة، فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيَّرت كلَّ سحَّار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار: انقادوا للإسلام، وصاروا من عباد الله الأبرار، وأما عيسى ﵇: فبُعث في زمن الأطباء، وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه، إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه، والأبرص، وبعث مَن هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟! وكذلك محمد ﷺ بُعث في زمان الفصحاء، والبلغاء، ونحارير الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله ﷿ لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعَشر سور من مثله، أو بسورة من مثله: لم يستطيعوا أبدًا. "تفسير ابن كثير" (١/٤٨٥) . وآيات الأنبياء هي خروج عن المألوف، وخرق للعادة؛ تثبيتًا للنبي، وأتباعه، وعلامة على رسالته، وصدقه فيما يدعو إليه. وكان من آيات عيسى ﵇: إحياء الموتى، وهذه الآية اختصه الله بها دون غيره من الأنبياء. ونحن لا نعتمد على ما نقلتَه عن الإنجيل؛ لاعتقادنا تحريفه، ولكن نعتمد على ما جاء به شرعنا، لأن ما نقلته من الإنجيل موافق لما عندنا، من أن الخلق يموتون موتة واحدة، لا يرجعون بعدها إلى الدنيا؛ قال تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) الأنبياء/٩٥، ولكن هذا العموم مخصوص ببعض النصوص والوقائع التي وقع فيها إحياء لبعض الموتى في الدنيا، آية على قدرة الله سبحانه على إحياء الناس جميعًا بعد موتهم، أو آيةً لنبي - كما خصّ به عيسى ﵇، ومن أمثلة ذلك: ١. ما جاء في قصة القتيل زمن موسى ﵇، وما حصل من إحياء الله تعالى له ليدل على من قتله، قال تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة/ ٧٣. ٢. وما حصل من إحياء الله تعالى للرجل الذي أماته – وحماره – مائة عام، ثم أحياه، قال الله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/ ٢٥٩. ٣. وما حصل من إحياء الله تعالى لقوم كثُر، قال تعالى: (أَلَمْ ترَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) البقرة/ ٢٤٣. ٤. وما حصل من إحياء الله تعالى لمن أماتهم من قوم موسى ﵇ الذين طلبوا منه رؤية الله تعالى، فأخذتهم الصاعقة، فماتوا، ثم بعثهم الرب تعالى، قال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/ ٥٦. وهذا كله يضاف إلى ما أخبر الله تعالى به من إحياء عيسى ﵇ لبعض الموتى بإذن الله تعالى، وكل هذا استثناء من العموم. ومثال ذلك لو قال قائل: إنه لا إنجاب إلا من ذكر وأنثى: لكان صادقًا، بل هو مؤيد بالقرآن والسنَّة، كمثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) الحجرات/١٣، وقد خُصَّ من هذا العموم آدم ﵇ الذي خُلق من غير ذكر ولا أنثى، وخُصّت حواء ﵍، حيث خُلقت من ذكر بلا أنثى، وخُصَّ عيسى ﵇، حيث خُلق من أنثى بلا ذَكر. وعلى هذا، فالعودة إلى الحياة بعد الموت في الدنيا حصل قطعًا في صور متعددة، ولذلك حكم جليلة منها: ١. إثبات قدرة الله على بعث الخلائق يوم القيامة. ٢. جعلها آية على صدق النبي، وأنه مرسل من عند الله تعالى، كما في إحياء عيسى ﵇ للموتى بإذن الله، وكما في إحياء قتيل قوم موسى. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ﵀ بعد أن عدَّد ما في سورة البقرة من مواضع أحيا الله فيها بعض الموتى: "ولا ينافي هذا ما ذَكر الله في قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) المؤمنون/ ١٥، ١٦؛ لأن هذه القصص الخمس، وغيرها - كإخراج عيسى الموتى من قبورهم - تعتبر أمرًا عارضًا، يُؤتى به لآية من آيات الله ﷾، أما البعث العام: فإنه لا يكون إلا يوم القيامة، ولهذا نقول في شبهة الذين أنكروا البعث من المشركين، ويقولون: (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) الأنبياء/ ٣٨، ويقولون: (فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) الدخان/ ٣٦، نقول: إن هؤلاء مموِّهون، فالرسل لم تقل لهم: إنكم تبعثون الآن، بل يوم القيامة، ولينتظروا، فسيكون هذا بلا ريب" انتهى. " تفسير سورة البقرة " (١/١٩٣) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب

1 / 185