Ishtiqaq
كتاب معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار وتأويل ألفاظ مستعملة
Genre-genre
الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، لكل ناعق أتباع (¬1) ، فقسم الناس ثلاثة أقسام ، وجعل للعالم والمتعلم حظا في العلم ، وألغى الثالث وسماه همجا ، ولو أن هذا الهمج تعلم لصار في طبقة المتعلمين ، ولما كان العلم محظورا عليه ، لأن العلم بالاكتساب ، قال : وسمي العلم علما لأنه علامة يهتدي بها العالم إلى ما قد جهله الناس ، وهو بمنزلة العلم المنصوب على الطريق ، والمنار المضروب على الحدود ، والعلم والعلم والعلامة مخرجها واشتقاقها من لفظ واحد ، لأن كل علم من العلوم في فن من الفنون هو علامة تدل العالم إلى ذلك الفن ، حتى يعرفه ويعلمه / ويصير إلى حقيقته ، بمنزلة 50 ب السمة والعلامة التي يوسم بها الشيء ، ويعلم بها عليه ، يقال : علمت على الثوب علامة ، وعلمت الرجل علما ، فصار العلم للإنسان بمنزلة العلامة ، ففرق بينه وبين الجاهل ، قرئ [وإنه لعلم للساعة ] (¬2) بفتح العين وكسرها ، وهما بمعنى واحد ، إذا كان علما لها ، فهو علم لنا ، والجهل ضد العلم ، وقال الخليل : الجهل نقيض العلم ، يقال : جهل فلان حق فلان ، وجهل علي فلان ، وجهل بهذا الأمر ، والجهالة أن يفعل فعلا بغير علم ، والجاهلية الجهلاء زمن الفترة ، إذ لا نبي ، ولا إسلام ، وسئل بعض العلماء فقيل له : متى يكون الإنسان خارجا عن حد الجهل إلى حد العلم ، قال : إذا علم أنه لا يعلم ، ألا ترى أن اللفظ قد أخرجه من حد الجهل حين علم أنه لا يعلم ، وإذا جهل أنه لا يعلم ، فهو في حد الجهل ، لأنه لا يعلم أنه لا يعلم ، فنفى عن نفسه العلم وثبت على الجهل ، والجاهلية هو نعت للخصلة والفعلة التي اجتمعت عليها أمة من الناس ، كما قالوا : المجوسية ، واليهودية ، والنصرانية ، وكما قالوا : الحنيفية ، لأن أمة من الناس اجتمعوا على هذه الخصلة والسنة والفعلة ، وصاروا لها أهلا ، وقولهم الجاهلية الجهلاء ، فهو على الغاية والمبالغة ، كما قالوا السوءة السوءاء ، أي / أنها غاية الجاهلية التي 51 أليس وراءها منتهى ، والفرق بين الجاهلية والجهل أن الجاهلية تكون بأمة من الناس ، يقال : هم أهل جاهلية ، والجهل ينفرد به الرجل الواحد ، يقال : رجل جاهلي من أهل الجاهلية ، ورجل جاهل إذا جهل أمرا ، وربما علم شيئا وجهل شيئا ، ويكون جاهلا بذلك الشيء ، عالما بغيره ، فأما الجاهلية فهو نعت لأمة قد جهلت الحق كله ، فلم تعرف منه شيئا 0 المعرفة والإنكار : يقال : رجل عارف بالشيء ، وله معرفة بالأمر ، إذا كان يميزه من ضده ، وخلافه بالمشاهدة والمعاينة ، ويقال : إن المعرفة جبلة في الخلق ، والعلم بالاكتساب والتعلم ، ومن أجل ذلك اشتركت البهائم ، وسائر الحيوان مع الناس في المعرفة ، وخص الناس بالعلم دون البهائم ، ويقال : سميت بهائم لأنها أبهمت عن كل شيء ، إلا عن معرفة الله ، فالإنسان يعرف ويعلم ، والبهيمة تعرف ولا تعلم ، لأن الإنسان يكتسب العلم ، والبهيمة لا اكتساب لها ، والبهيمة معرفتها تميز بين الضار والنافع لها في أمر معاشها ، وتتقي المهالك ، وتألف من ينفعها ، وتفر ممن يؤذيها ويضرها ، كالشاة تألف / الكلب ، وتفر من الذئب ، وتميز51ب بينهما ، وكالطير يفر من الجوارح ، ويألف اللواقط والبغاث ، فهذا من جهة المعرفة وضد المعرفة الإنكار ، كما أن ضد العلم الجهل، يقال : عرف الشيء وأنكره ، والمعرفة بالشيء هي المشاهدة التي تزيل الشك والمرية ، وهو التمييز بين الشيئين ثم اشتقوا من المعرفة المعروف ، ومن النكرة المنكر ، فقالوا : يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فالأمر بالمعروف هو الأخذ بما لا مرية فيه ، ولا شك من أمر الدين ، فهو معرفة لا يحتاج إلى علامة تعرف به ، والنهي عن المنكر هو النهي عن التقحم في الجهالات والشبهات ، التي لا يعرف حقها من باطلها ، فكل مشتبه المعنى منكر ، وكل واضح المعنى معروف ، والمعروف والعرف لغتان ، وكذلك النكر والمنكر لغتان ، قال النابغة : " من الطويل "
Halaman 130