CHECK [[NO TITLE]]

إرشاد الطالب إلى أهم المطالب

تأليف الشيخ

سليمان بن سحمان رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ( أما بعد ) :-

فقد تأملت ما ذكره الأخ من المسائل التي ابتلى بالخوض فيها كثير من الناس من غير معرفة ولا إتقان ، ولا بينة ولا دليل واضح من السنة والقرآن ، وقد كان غالب من يتكلم فيها بعض المتدينين من العوام ، الذين لا معرفة لهم بمدارك الأحكام ، ولا خبرة لهم بمسالك مهالكها المظلمة العظام ، وليس لهم اطلاع على ما قرره أئمة الإسلام ، ووضحوه في هذه المباحث التي لا يتكلم فيها إلا فحول الأئمة الأعلام وهذه المسائل قد وضحها أهل العلم وقرروها وحسبنا أن نسير على منهاجهم القويم ، ونكتفي بما وضحوه من التعليم والتفهيم ، ونعوذ بالله من القول على الله بلا علم . وهذه المسائل التي أشرت إليها لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب ومن رزق الفهم عن الله وأوتي الحكمة وفصل الخطاب . ونحن وإن كنا للسنا من أهل هذا الشأن ، ولا ممن يجري الجواد في مثل هذا الميدان . فإنما نسير على منهاج أهل العلم ونتكلم بما وضحوه في هذا الباب . ولولا ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوعيد في ذلك بقوله (( من سئل عن علم وهو يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من نار )) لضربت عن الجواب صفحا ، ولطويت عن ذلك كشحا ، ولكن مالا يدرك كله لا يترك كله ولا بد من ذكر مقدمة نافعة ليعلم من نصح نفسه وأراد نجاتها أن :

Halaman 1

كفر الجحود وكفر العمل المبادرة بالتكفير والتفسيق والهجر من غير اطلاع على كلام العلماء لا يتجاسر عليه إلا أهل البدع الذين مرقوا من الإسلام ولم يحققوا تفاصيل ما في هذه المسائل المهمة العظام ، مما قرروه وبينوه من الأحكام ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه قدس الله روحه في ( منهاج السنة ) بعد أن ذكر أقوال أهل البدع كالمعتزلة والخوارج والمرجئة وذكر كلاما طويلا ثم قال [ وإذا كان المسلم الذي يقاتل الكفار قد يقاتلهم شجاعة وحمية ورياء وذلك ليس في سبيل الله فكيف بأهل البدع الذين يخاصمون ويقاتلون عليها فإنهم يفعلون ذلك شجاعة وحمية وربما يعاقبون لما اتبعوا أهواؤهم بغير هدى من الله لا لمجرد الخطأ الذي اجتهدوا فيه ، ولهذا قال الشافعي : لأن أتكلم في علم يقال لي فيه كفرت . فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا ، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون . وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفرا- وقد يكون كفرا لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق _ والآخر لم يتبين له ذلك فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله أن يكفر من لم يعلم بحاله ] إلى آخر كلامه والمقصودان من مذاهب أهل البدع وطرائقهم أنهم يكفر بعضهم بعضا . ومن ممادح أهل السنة أنهم يخطئون ولا يكفرون ، فإذا تحققت هذا وجعلته نصب عينيك أفادك الحذر كل الحذر من الغلو والتعمق ومجاوزة الحد في هذه المسائل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

( فصل )

( قال السائل - المسئلة الأولى ) ما الكفر الذي يخرج من الملة والذي لا يخرج من _ في قولهم الكفر كفران ، وكذا الفسق فسقان .

والجواب أن نقول هذه المسألة قد أجاب عنها شيخنا الشيخ الفاضل عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في رسالته للخطيب وذكر ما ذكره شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الصلاة فقال رحمه الله .

Halaman 2

( الأصل الرابع ) أن الكفر نوعان - كفر عمل ، وكفر جحود وعناد ، وهو أن يكفر بما علم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء به من عند الله - جحودا وعنادا - من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه التي اصلها توحيده وعبادته وحده لا شريك له وهذا مضاد للإيمان من كل وجه . وأما كفر العمل فمنه ما يضاد الإيمان كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه . وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهذا كفر اعتقاد وكذلك قوله (( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) وقوله (( من أتى كاهنا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد )) - صلى الله عليه وسلم - فهذا من الكفر العملي وليس كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه وإن كان الكل يطلق عليه الكفر وقد سمى الله سبحانه من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به كافرا بما ترك العمل به .

Halaman 3

المعاني المشتركة بين الكفر والظلم والفسق قال تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } "البقرة: من الآية84" إلى قوله { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } "البقرة: من الآية85" أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه وهذا يدل على الآية فأخبر سبحانه تصديقهم به . وأخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقا آخرين وأخرجوهم من ديارهم وهذا كفر بما أخذ أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم ثم أخبر عليهم في الكتاب ، وكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق ، كافرين بما تركوه منه ، فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي ، وفي الحديث الصحيح (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) فقرن بين سبابه وقتاله وجعل أحدهما فسوقا لا يكفر به ، والآخر كفرا ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العلمي لا الاعتقادي وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية ، والملة بالكلية ، كما لم يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان ، وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى هذه المسألة إلا عنهم . والمتأخرون لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا أخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار ، وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان ، فأولئك غلوا وهؤلاء جفوا ، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل . فهاهنا كفر دون كفر ، ونفاق دون نفاق ، وشرك دون شرك وظلم دون ظلم فعن ابن عباس في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } "المائدة: من الآية44" قال : ليس هو الكفر الذي تذهبون إليه . رواه سفيان وعبد الرزاق وفي رواية أخرى كفر لا ينقل عن الملة .

Halaman 4

وعن عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق . وهذا بين في القرآن لمن تأمله فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا وسمى الجاحد لما أنزل الله على رسوله كافرا وسمى الكافر ظالما في قوله { والكافرون هم الظالمون } "البقرة: من الآية254" وسمى من يتعدى حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالما وقال { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } "الطلاق: من الآية1" وقال يونس عليه السلام { إني كنت من الظالمين } "الأنبياء: من الآية87" وقال آدم { ربنا ظلمنا أنفسنا } "الأعراف: من الآية23" وقال موسى { رب إني ظلمت } "القصص: من الآية16" وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم وسمى الكافر فاسقا في قوله { وما يضل به إلا الفاسقين } "البقرة: من الآية26"وقوله { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون } "البقرة:99" وسمى العاصي فاسقا في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } "الحجرات: من الآية6" وقال في الذين يرمون المحصنات { وأولئك هم الفاسقون } "النور: من الآية4" وقال { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } "البقرة: من الآية197" وليس الفسوق كالفسوق .

وكذلك الشرك شركان شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر وشرك لا ينقل عن الملة وهو الأصغر كشرك الرياء وقال تعالى في الشرك الأكبر { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } "المائدة: من الآية72"

Halaman 5