318

وشرط آخر وهو: أنه إن كان قد أضل غيره، ودعاه إلى مثل ذنبه، لم تصح التوبة إلا بأن يبين له ضلال استدعائه إلى ذلك الذنب حتى يخلصه إن أمكنه، وإن كان بدعة وضعها في الكتب فلا يصح التوبة إلا بنقضها متى انتشرت النسخ، وإن كانت نسخة واحدة أجزت التوبة بتمزيقها وإهلاكها وإن لم ينقضها، قال تعالى: {إلا الذين تأبوا واصلحوا وبينوا}(1) الآية.

ولابد من استصحاب الشرطين اللذين ذكرناهما في كل ذنب، وذلك يقتضي أنه لا تصح التوبة من الاعتقادات والبدع إلا بعد حصول العلم واليقين، فلو تاب من اعتقاد التثنية وهو لا يعلم الوحدانية بل يقلد فيها لا يكون تائبا، لأنه مقيم على القبيح الأعظم وهو التقليد في الوحدانية فلم يكن تائبا من التثنية.

وإن كان الحق مشتركا بين الله وبين عباده، نحو الظلم، والقتل، وأخذ المال، والقذف، والنميمة، والغيبة وغيرها، فالشرط الذي يخلص بذلك أن يؤدي إلى المظلومين حقوقهم على حسب قدرته، وعلى قدر يساره وإعساره، ويعتذر في الغيبة والنميمة وسائر ما يكون في الأعراض إن كان قد بلغ إلى المظلوم، فإن كان لم يبلغه، ولا جوز أن يبلغه فإنه لا يعتذر إليه، وتجزئه التوبة.

وعلى هذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى يقول: ذنب أغفره، وذنب لا أغفره، فأما الذنب الذي أغفره فما كان بيني وبين عبدي ولو أذنب حتى يبلغ ذنبه السماء ثم أستغفرني لغفرت له، وأما الذنب الذي لا أغفره فما بينه وبين العباد، لا أغفره حتى يرد المظالم إلى أهلها).(2)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل ليزني فيتوب فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر الله له حتى يغفر له صاحبه).(3)

وأوحى الله إلى موسى عليه السلام (يا موسى من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة).

Halaman 325