وقوله: (بعد حمد الله): بعد: ظرف، يعرب إذا أضيف إلى ما يتصل به، فإذا انقطع عن الإضافة، بنى على الضم إن اعتقد فيه التعريف، وأعرب إن أعتقد فيه التنكير. ولا يضاف إلا إلى المفرد، أو ما هو في حكم المفرد. فالمفرد كقولك: جئتك بعد الظهر، وبعد خروج زيد. والذي في حكم المفرد كقولك: جئتك بعد ما خرج زيد، وبعد أن أذن الظهر. فهذا الكلام وإن كان جملة، فهو في تأويل المفرد. ألا ترى أن تأويله، جئتك بعد خروج زيد، وبعد آذان الظهر.
وقوله: (أما بعد حمد الله): بعد: ينتصب هاهنا على وجهين: أحدهما أن يكون العامل فيه ما تضمنته (أما) من معنى الشرط، لأن التقدير والمعنى: مهما يكن من شيء بعد حمد الله. والثاني أن يكون العامل فيه (رأيت) على معنى التقديم والتأخير، كأنه قال: مهما يكن من شيء، فإني رأيت بعد حمد الله. فيكون بمنزلة قوله ﷿: (فأما اليتيم فلا تقهر. وأما السائل فلا تنهر). فالعامل في اليتيم والسائل، الفعلان اللذان بعدهما، كأنه قال: مهما يكن من شيء، فلا تقهر اليتيم، ومهما يكن من شيء، فلا تنهر السائل. ولا يصح عندنا نصب اليتيم والسائل، بما تضمنته (أما) من معنى الشرط، كما صح في قوله: (أما بعد حمد الله) لأن المعاني تعمل في الظروف، ولا تعمل في المفعولات الصحاح. فأما إعمال
1 / 29