Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
وأما على طريقة الناصر: وهو الذي اخترناه، وهو أن الماء لا ينجس بالمجاورة إلا أن يكون متغيرا، فعلى هذا لا تعقل حقيقة التطهير بالمغالبة إلا إذا كانت النجاسة مغيرة للماء، فإذا حصلت المكاثرة فإنها تزيل التغير فيكون طاهرا، فأما إذا كانت النجاسة غير مغيرة للماء كأن تقع في رطل قطرة من بول أو خمر ولم تغيره، فعلى رأي من نجس القليل من الماء من غير تغير يطهر تقديرا إذا ورد عليه من الماء الطاهر ما هو أكثر منه، ويطهر تحقيقا إذا كان الوارد عليه قلتان على رأي أصحابهما، أو كان كثيرا على رأي من لا يعتبر بهما، فكله كثير يكون مطهرا على جهة التحقيق، فأما ما دون ذلك فهو قليل الورود مثالا على جهة التقدير لا غير، وأما على رأي من لا ينجس الماء إذا كان قليلا من غير تغير، فالقطرة لا تضر الرطل من الماء من خمر أو بول وهو طاهر كما كان فلا يحتاج فيه إلى مكاثرة ولا مغالبة كما مر تقريره في الماء القليل عند اتصال النجاسة به.
الفرع السابع: في قدر المكاثرة.
اعلم: أن المكاثرة على الرأي الذي اخترناه من أن الماء لا ينجس إلا بتغيره بالنجاسة قليلا كان أو كثيرا فلا يتصور التطهير بالمكاثرة إلا فيما كان متغيرا بالنجاسة، وأما إذا كان غير متغير بها فإنها لا تنجسه بحال، وقد مر بيانه. وفي قدر المكاثرة مذهبان:
المذهب الأول: أنها لا تطهر إلا بأن يصب على النجاسة سبعة أضعافها من الماء، وهذا هو المحكي عن الشافعي في أحد قوليه.
والحجة على ذلك: هو أنها نجاسة أريد تطهيرها فاعتبر فيها أضعاف سبعة، دليله: ولوغ الكلب. وقد قال : (( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب )).
المذهب الثاني: أن المكاثرة بأن يصب على النجاسة ما يغمرها من الماء ويستهلكها، مما يكون مذهبا لجميع أوصافها من طعم أو ريح أو لون.
والحجة على ذلك: هو أن المقصود إنما هو إزالة النجاسة وإذهاب عينها وهذا حاصل بما ذكرناه، وهذا هو رأي بعض أئمة العترة وهو القول الجديد للشافعي، وهو المختار؛ لأن أصحابنا إنما ذكروا الأرطال الثمانية وغيرها من المقدرات على جهة الفرض والكشف للإبانة لا على جهة الشرط لتحقيق العدد.
والحجة على ذلك: هو أن هذه الأمور العددية، إنما تؤخذ من جهة نص الشارع وتوقيفاته ولا يجوز أخذها بالمقاييس؛ لأن القياس لا مدخل له فيها؛ لأنها معلومة بأمر غيبي من جهة الله أو من جهة رسوله ، ولم يكن من جهة الله تعالى ولا من جهة رسوله فيها نص بأمر مقدر، فلهذا لم يكن عليها تعويل وإنما التعويل على إذهاب النجاسة من غير تقدير.
Halaman 446