Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genre-genre
المقصد الثاني: أن يكون غرضه بيان جواز الصلاة في سراويل المجوسي مع الكراهة لها؛ لأنها باقية على أصل الطهارة، وكونه مستحلا للنجاسات متلوثا بها في أكثر حالاته، لا تبطل الصلاة فيها ولكنه يكره لما ذكرناه، فهذا هو مقصد الإمام بما أورده من المثال. فأما إيراده مثالا للشك وأن الشك من جملة الظنون، فالمؤيد بريء من عهدته وإنما هو من كيسهما، وحاشا لفكرته الصافية وذوقه المعتدل عن أن يلتبس عليه حكم الشك بالظن، والتجويز بالشك فلا يميز بين حقائقها، فقدره أجل وأعلا من ذلك. وقد قال المؤيد بالله: والأقرب أنه يحصل الظن بنجاسة سراويل المجوسي. ولكن لما لم يقارب العلم لم يحكم بنحاسته، وهذا يصدق ما ذكرناه من حمل كلامه على ما حملناه من إيراد المثال، لا على ما ظناه وتوهماه.
الاستدراك السادس: قولهما: إن الظن المطلق وهو الشك على زعمهما، يجوز العمل عليه بشرط أن تنضم إليه قرينة أخرى، وجعلا مثاله ما ذكره المؤيد بالله في المتاعات، وهو: أنه إذا كان الشيء في يد إنسان فقال: هو لفلان وكلني ببيعه أو رهنه، فإنه يجوز أن يشترى منه لمجرد هذا القول، وفي مثل ذلك جاز العمل على مطلق الظن لأجل القرينة، وهي اليد القائمة، وهكذا حال المرأة إذا قدمت من الغيبة، وقالت: طلقني زوجي وانقضت عدتي. جاز أن يؤخذ بقولها ويعمل عليه.
واعلم أن ما ذكرناه [عنهما] هاهنا فاسد لأمرين:
أما أولا: فلأن الشك لا يجوز العمل عليه أصلا، ولا يكون مستندا لشيء من التكاليف العملية، ولا يعول عليه في أمر من الأمور الشرعية، والتعبد إنما وقع مع غلبات الظنون، بقوة الأمارات والاعتماد عليها، فأما الشك فهو خلي عما ذكرناه فلا تعويل عليه، ولهذا قالا في آخر المثال: فأما إذا لم تكن مع الظن المطلق هذه الأمارة والقرينة، فإنه لا يجوز العمل عليه؛ لأنه يكون شكا صرفا.
وأما ثانيا: فلأن ما ذكره المؤيد بالله في المثالين إنما أوردهما مثالا في حصول الظن والعمل عليه، ولم يوردهما مثالا للشك كما زعماه وتوهماه، فالأمارة للظن هو حصول اليد واستيلاؤها على ملك الشيء، فلهذا جاز العمل عليها في كونه ملكا لمن هو في يده ويجوز الشراء منه، وهكذا حال المرأة فإنها حاصلة في يد نفسها، فلهذا قبل قولها فيما تقول من نكاح، وطلاق، وعدة، ووفاء العدة؛ لأنه لا مخاصم لها، فيجوز إنكاحها على هذه الأمارة، فإن قامت بينة على خلاف ذلك عمل عليها. وقد عملنا أولا على ظاهر الحال، وله مساغ من جهة الشرع، فما ذكره المؤيد بالله من المثال هو مطابق للممثول لكن الوهم جاء من جهتهما حيث جعلاه مثالا للشك، وهو جعله مثالا للظن بالقرينة. ومن العجب أنه قال: إنه يكون شكا؛ لكنه يجوز العمل عليه للقرينية، فبطل ما توهماه.
Halaman 310