Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genre-genre
فالذي ذهب إليه الأكثر من أئمة العترة ومن تابعهم من العلماء من شيعتهم أنها غير معقولة المعنى، ونعني بكونها غير معقولة المعنى، هو أنها مشروعة على جهة التعبد من غير أن يفهم معناها، ومن أجل كون معناها غير معقول، تعين الماء لها، فلا يجوز إزالتها بغير الماء، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (¬1) وداود وزفر (¬2) ومحمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة.
والحجة لهم على ذلك: هو أن الطهارة لا تجب لغير الصلاة ولا يفهم من جهة الشرع وجوب إزالة النجاسة إلا من أجلها، والمعنى الذي من أجله وجبت لأجل الصلاة غير معقول ولا ترشد إليه مخائل المعاني ولا تجري فيه مسالك الأشباه، وفي هذا دلالة على أنها غير معقولة، ويؤيد كونها غير معقولة المعاني، وجوب الاغتسال من المني دون البول والغائط، وهما أكبر وأقذر منه، فدل ذلك على انسداد معانيها بكل حال، ولأن إزالة النجاسة طهارة تراد للصلاة وتقصد من أجلها، فلا يجوز فهم معناها كالوضوء، وإذا كانت غير مفهومة المعنى تعين الماء لها، فلا يجوز إزالتها بغير الماء، وهذه هي الفائدة في كونها غير معقولة المعنى، وزعم أبو حنيفة وأصحابه أن طهارة النجاسة معقولة المعنى، وأن مقصود الشرع منها إزالة عينها واستئصال أثرها، وهذا يحصل بما كان يرفع ويقلع من المائعات كالخل واللبن، فقد حصل معناها المعقول، وإلى هذا ذهب أبو عبدالله الداعي (¬3).
والحجة لهم على ما قالوه: ما ذكرناه من تقرير معناها المعقول من الرفع والقلع، وإذا كان معناها معقولا وهو حاصل بكل ما كان يرفع أثرها ويزيل عينها من المائعات، فقد تقرر مقصود الشرع بفهم المعنى، وينوي على هذا إزالتها بغير الماء من كل مائع رافع لها.
Halaman 193