Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genre-genre
الضرب الثاني: ما يتعلق بجانب الدين، وذلك أن كل من اطلع على أحوالهم وعرف طرفا من سيرهم، عرف قطعا ويقينا مراقبتهم لله تعالى في الإقدام والإحجام، وشدة تحرزهم في الأخذ والإعطاء، ووقوفهم على حدود الشريعة في التحليل والتحريم، والجري على مراسمها والمحاذرة عن مخالفة شيء من أدلتها القاطعة، وحصروا نفوسهم على التدوار في مواردها ومصادرها، ولم يطمح لأحد منهم نظر إلى مخالفتها، ولا تشوقت قلوبهم إلى غيرها، شددوا على أنفسهم بأخذ العزائم وأخذوا الخلق بما فهموا من الله رخصة فيه لخلقه، واقتحموا موارد الموت في نصرة دين الله تعالى وإعلاء كلمة الحق بين مقتول ومصلوب ومأسور ومطرود، لا يزيدهم ما يرون في أنفسهم وأهليهم من القتل والطرد إلا صبرا لله تعالى واحتسابا في إعزاز دينه وعلو(¬1) كلمته وتصلبا على من خالف أمر الله وحكمه، ومن كانت هذه حاله فقد تمسك بالدين بالعروة الوثقى التي ليس لها انفصام ولا يخاف عليها نقض ولا يخشى لجانبها إهضام.
الضرب الثالث: الورع، ومن أراد الاطلاع على رفضهم للدنيا وإعراضهم عنها وحرصهم على إيثار الآخرة وسلوكهم لجانب الحيطة في الأخذ والترك، وبعدهم عن المآثم وازورارهم عن الوقوع في المحرمات والمكروهات، فليطالع سيرهم وأخبارهم، فإنه يتحقق لا محالة أن تعويلهم ما كان إلا على رفض الدنيا وإيثار رضوان الله، وإحراز طاعته، والعمل لوجهه وتحصيل مرضاته، فإن حصلت الدنيا آثروا بها وإن زويت عنهم صبروا على ما أصابهم من مشقة لأوائها، علما بما لهم عند الله من عظيم الزلفة، ورفيع الدرجة، فيزيدهم رغبة فيما عند الله وشوقا إلى لقائه، وهذه هي حقيقة الورع وغاية أمره وقصارى حاله وسره.
الطريقة الثالثة: تشتمل على نظر كلي بالإضافة إلى صحة العقائد في أمور الديانة، وفيه سلامة عن الزلل، وعصمة عن الخطأ في مجاري الأنظار الاجتهادية في أحكام الشريعة.
Halaman 179