Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genre-genre
الضرب الثالث: قياس المعنى. وحاصله: التعويل في المعاني المختلفة والأوصاف المناسبة للحكم، وهو مشتمل على أصل وفرع وعلة وحكم، ولن يكون معدودا في المعاني إلا إذا كان الوصف الجامع بين الفرع والأصل مخيلا ووصفيا مناسبا، ومثاله ما قاله أصحابنا والفقهاء، هو: أن العلة في قطع يد السارق، كونه أخذ مال من حرز على جهة الخفية، وهذا حاصل في النباش للقبور فيجب قطع يده إذا كان الكفن نصابا. ومثال آخر، وهو: أن العلة في ضمان الأعيان بالغصب إنما هو إثبات يد عادية، وهذا حاصل في المنافع فيجب ضمانها بالغصب أيضا. فهذان المثالان خاصان للقياس المعنوي، وأكثر الأقيسة الجارية في المعاوضات جارية على نعت الإخالة وحاصلة على المناسبة، وهكذا القول في الإجارات والشفعة والمغارسة والمساقاة تجري على جهة الإخالة، والله أعلم.
الضرب الرابع: قياس الشبه، وحقيقته آيلة إلى التعويل على الأوصاف الشبهية، وقد عمل أكثر القياسيين به، وإنما أنكره أقوام حذرا من الطرد، فإنهم لما ردوا الطرد لقبحه توهموا أن الشبه في معناه، وليس الأمر كما ظنوه، وهو مشتمل على الأصل والفرع والعلة والحكم بجامع غير مخيل، ومثاله ما قاله أصحابنا والشافعي في إيجاب النية في الوضوء أخذا له من التيمم: طهارة حكمية فيجب فيها اشتراط النية كالتيمم.
فقولنا: حكمية. نحترز به عن طهارة النجاسة فإنها عينية.
فقولنا: طهارة حكمية. علة شبهية ليس فيها شيء من الإخالة وإنما هو تعويل على أخص الأشباه، وأقربها إلى المعاني وأكثرها ملائمة للحكم، فكلما ازداد الوصف خصوصية فهو أقوى ما يكون من الأشباه، وكلما بعد عن الإخالة فهو أضعف ما يكون من الأشباه، فما قوي منها فهو لاحق بالمعاني المخيلة فيجب قبوله، وكل ما ضعف منها فهو لاحق بالطرد فيجب رده.
الضرب الخامس: قياس الدلالة، وهو من جملة الأقيسة المعول عليها في اقتباس الأحكام الشرعية، وحاصله: الاستدلال على الشيء بخاصيته ونتيجته ونظيره. فالخاصية مثل: استدلال أصحابنا والشافعي على كون الوتر غير واجب، بأنها صلاة تؤدى على الراحلة، فلو كانت فرضا لما جاز أداؤها على الراحلة كسائر الفرائض، خلافا لأبي حنيفة وأصحابه حيث زعم أنها واجبة. وأما النظير فكقولنا: من صح طلاقه صح ظهاره، استدلالا من الشافعي على صحة الظهار من الذمي، خلافا لما ذهب إليه أصحابنا وأبو حنيفة وأصحابه، فالظهار والطلاق نظيران في تعلقهما بالزوجة وكونهما يتعلقان بالأقوال، فإذا صح أحدهما صح الآخر. وأما النتيجة فكما يقول الشافعي في البيع الفاسد في حق الجارية: فلو كان منعقدا لجاز وطؤها، فلما لم يجز وطؤها دل على كونه غير منعقد؛ لأن حل الاستمتاع من نتائج العقد، وقد تعذر وطؤها فدل على بطلانه.
فهذا ما أردنا ذكره في دلالة ما عقل من الخطاب على الأحكام الشرعية.
المرتبة الرابعة: في بيان دلالة الاستصحاب.
Halaman 146