طلاق على الجبل
في بعض الطبائع البشرية، تختفي درجات الألوان؛ فلا تتبقى إلا الألوان الأولية الخام. لقد كان جون بودمان دائما عند أحد طرفي النقيض. ولم يكن ذلك على الأرجح ليعني الكثير لو لم يتزوج من امرأة ذات طابع مطابق لطبعه تماما.
لا شك أن في هذا العالم زوجة مناسبة تماما لكل رجل، وزوجا مناسبا تماما لكل امرأة؛ لكن المرء لا يتسنى له الاختلاط إلا مع بضع مئات من البشر، ولا يعرف منهم عن قرب إلا دزينة أو أقل، ولا يصادق في الأغلب إلا واحدا أو اثنين ممن يعرفهم عن قرب، ولو أخذنا في الحسبان أيضا أن في هذا العالم ملايين من البشر، لبات من اليسير أن ندرك أن أغلب الظن أنه منذ خلقت هذه الأرض لم يجتمع الرجل المناسب بالمرأة المناسبة له قط. الاحتمالات الرياضية لحدوث لقاء كهذا ضئيلة، وإلا لما وجدت محاكم الطلاق. الزواج - في أفضل الأحوال - يقوم على التنازل من جانب الطرفين، وإذا جمع الزواج بين شخصين ليس من طبعهما التنازل، جاءت المتاعب تحث الخطى.
في حياة هذين الزوجين الشابين لم يكن هناك مجال للتنازل. وكانت النتيجة الحتمية إما الحب أو الكره، وفي حالة السيد بودمان وقرينته كانت النتيجة كرها من النوع المرير والمتغطرس جدا.
في بعض أرجاء العالم، يعد عدم توافق الطابع بين الزوجين مبررا كافيا لاستصدار الحكم بالطلاق، لكن إنجلترا لا تعتد بهذا المبرر الدقيق؛ لذا يرتبط الزوجان برابطة لا يكسرها - بخلاف الموت - إلا ارتكاب الزوجة لجريمة، أو ارتكاب الزوج لجريمة وتعامله معها بقسوة. لا يمكن أن يوجد ما هو أسوأ من هذا الوضع، وما فاقم الأمر بشدة أن حياة السيدة بودمان لم يكن فيها ما يؤخذ عليها، كما لم يكن زوجها أسوأ حالا، بل كان أفضل حالا، من أغلب الرجال. لكن ربما انطبق عليهما هذا الوصف إلى حد كبير، قبل أن ينتفي عنهما في مرحلة ما؛ فقد وصل جون بودمان إلى حالة عقلية قرر فيها التخلص من زوجته مهما كلفه الأمر. لو كان فقيرا لكان الأرجح أنه سيهجرها، لكنه كان ثريا، وليست تعاسة الحياة الزوجية سببا كافيا لدفع الرجل إلى التخلي بإرادته عن تجارة رائجة.
عندما يفرط عقل الرجل في التفكير في موضوع واحد بعينه، لا يمكن لأحد أن يتخيل المدى الذي قد يذهب إليه. العقل أداة هشة، وحتى القانون يقر بسهولة فقدانه للاتزان. يزعم أصدقاء بودمان - إذ كان له أصدقاء - أن عقله لم يكن متزنا؛ بيد أن أحدا لم يشكك في حقيقة ما حدث، لا أصدقاؤه ولا أعداؤه، وباتت تلك الواقعة أبرز أحداث حياته، وأكثرها شؤما.
لن يعرف أبدا إن كان جون بودمان في كامل قواه العقلية أم مسه الجنون عندما عقد العزم على قتل زوجته، بيد أن الوسيلة التي ابتكرها لجعل الأمر يبدو كحادث كانت تنم عن مكر لا مراء فيه. لكن المكر غالبا ما يكون صفة في عقل غاب عنه صوابه.
كانت السيدة بودمان تعرف كيف أن وجودها يزعج زوجها بشدة، إلا أنها كانت - مثله - عنيدة، وكان كرهها له أشد مرارة من كرهه لها، هذا إن كان لمرارة الكره درجات. لقد كانت تصاحبه أينما ذهب، وربما لو لم تفرض عليه وجودها طوال الوقت وفي كل المناسبات، لما خطرت له قط فكرة قتلها. لذا عندما أخبرها باعتزامه قضاء شهر يوليو في سويسرا، لم تقل شيئا، وأخذت تعد العدة للرحلة. وفي هذه المناسبة لم يبد هو اعتراضا، بخلاف عادته، وهكذا انطلق الزوجان الصامتان إلى سويسرا.
يوجد بالقرب من قمم الجبال فندق يقوم على رف صخري يعلو أحد الأنهار الجليدية الكبرى. يبلغ ارتفاع الفندق عن سطح البحر ميلا ونصف الميل، ويوجد بمفرده في ذلك المكان، ويجري الوصول إليه من خلال طريق مرهق ومتعرج يمتد عبر الجبل لمسافة ستة أميال. تطل شرفات الفندق على منظر رائع للقمم المكسوة بالجليد والأنهار الجليدية، وتحيط بالفندق عدة مسارات جميلة تؤدي إلى وجهات تتباين درجة خطورتها.
كان جون بودمان يعرف الفندق جيدا، وكان قد تعرف جيدا على محيطه في أيام أسعد من هذه الأيام. والآن، عندما خطرت له فكرة القتل، ظلت بقعة محددة تبعد عن هذا الفندق بميلين تلح على عقله. كانت بقعة تطل على كل شيء، ويحيط بها سور منخفض متداع. وذات صباح استيقظ في الساعة الرابعة وانسل من الفندق من دون أن يلاحظه أحد؛ قاصدا تلك البقعة التي يعرفها أهل المنطقة باسم هانجنج أوتلوك. أرشدته ذاكرته إلى المكان الصحيح. وخاطب نفسه بأن هذا هو المكان المقصود بالضبط. كان الجبل ينحدر من ورائها انحدارا مخيفا. ولم يكن بالجوار أي سكان يشرفون على المكان. وكان نتوء صخري يحجب الفندق البعيد عن تلك البقعة. وكانت الجبال التي تحف الوادي من الناحية الأخرى أبعد من أن تسمح لأي سائح عابر أو ساكن مقيم برؤية ما كان يجري في هذه البقعة. وبدت البلدة الوحيدة الموجودة بعيدا في الأسفل في الوادي كمجموعة من لعب الأطفال التي على شكل منازل.
Halaman tidak diketahui