Kemunduran Umat Islam Kembali ke Penyembahan Berhala: Diagnosis Sebelum Reformasi
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genre-genre
ولأن فقهاء المسلمين لا بد أن يعرفوا في كل شأن، ويدلوا بدلوهم في كل بئر؛ لأنهم أحاطوا بالمعارف كلها عبر المقدس التام الشامل المانع؛ فإنهم لا يجدون أي بأس من القول بشيء اسمه «القيم الدينية»، المشكلة في المزايدين من رجال العلم في بلادنا الذين يريدون إثبات طاعتهم لأصحاب القداسة، انظر مثلا أستاذ الفلسفة الدكتور توفيق الطويل في كتابه أسس الفلسفة، إذ يؤسس لشيء عجيب بقوله: «هناك من يرى أن وظيفة القيم الدينية هي المحافظة على القيم الإكسيولوجية الثلاث: الحق والخير والجمال، أكثر من وضعها قيمة رابعة تضاف إليها» (ص378). وأستاذ الفلسفة يريد أن يقول بقيم دينية ويعطيها وظيفة غير موجودة في الواقع، فوظيفتها المحافظة على القيم الإكسيولوجية، والمعنى المتضمن أنه لا تعارض بينها، لكن المتضمن أيضا أن الإكسيولوجية كانت هي الأسبق في الوجود، وأن القيم الدينية جاءت لاحقة لها، وكي تكون لها مهمة ولو مخترعة لمجاملة سدنة الدين، يعطيها مهمة المحافظة على القيم الإكسيولوجية، والأنبياء لم يقولوا لنا سوى عبادات ومعاملات وأوامر ونواه.
ما نقوله هو محاولة الإجابة عن السؤال الساذج هنا هو: أنه إذا كانت هناك قيم دينية فما هو مصدرها؟ وما هو نوعها؟ يعني هل هي قيم ذاتية تعبر عن الذات الإلهية ورغباتها أم أنها موضوعية ضمن طبيعة الأشياء وفي هذه الحال لا تكون دينية؟ لأن الله عندما خلق الأشياء خلق معها قيمها، وفي هذه الحال تصبح قيما موضوعية في واقع الأشياء، أم خلق الأشياء ثم تذكر أنه قد سها عن وضع قيم لها، فأرسل لها ملحقا توضيحيا بقيم دينية مع الأنبياء والرسل؟
وإذا كانت القيمة هي معيارا نزن به ونفاضل بين الأشياء أو الأفعال؛ فالفعل كله إذن بشري ولم يكن الدين طرفا منه، لكن إذا كانوا يقصدون القيم الذاتية فهي بالمئات وضمنها الدين كعنصر من عناصرها وليس هو كلها، فهناك مؤثرات أخرى في القيم الذاتية كعامل الوراثة والبيئة وشكل المجتمع ونظامه السياسي ونظمه الاقتصادية وعاداته وتقاليده ناهيك عن الغرائز والحب والكراهية ... إلخ ... إلخ.
والقيم الذاتية غير القيم العامة التي تضع معيارا لها هو نفع أو ضرر الجماعة كلها، فالملك الذي لا يحب أكل الملوخية لا يحق له إصدار قرار بتحريمها على شعبه، ومن تعف نفسه شرب الخمر أو أكل الدم أو لحم الخنزير فلا يفرضها على غيره؛ فهي شئون ذاتية تتعلق بالذوق الخاص جدا ولا تلزم الآخرين بها، في شهر رمضان مثلا يقيم الغني التقي مائدة الرحمن، بينما جاره الأغنى والتقي بدوره لا يقيمها، مثل هذه الحرية في الأداء تعني أن المسألة وجهات نظر وليست متفقا عليها، هذه التي يسمونها قيما دينية لا معنى لها بعدم إلزام الناس جميعا بها، حتى الفروض والشعائر الدينية كالحج هي قيم ذاتية شخصية يعود نفعها على صاحبها وحده؛ لذلك لا تجد حكومات إسلامية أي حرج في وضع قيود على الحج لعدم سحب الأموال الوطنية إلى بنوك السعودية، رغم أن الحج يلزم كل من استطاع إليه سبيلا. حتى إنه أحيانا يكون لكل جماعة قيم خاصة بها، بل ولكل طائفة، بل ولكل أسرة، بينما القيم العامة هي قيم إنسانية تلزم المجتمعات الإنسانية في أي مكان، مثل عدم تشغيل الأطفال، أو محاربة المخدرات البيضاء باتفاق عالمي لتأكيد ضررها الذي سيمس الجنس البشري كله أو حقوق الإنسان، أو عقوبة جرائم الحرب ... إلخ .
مشكلة سادتنا الفقهاء مع القيم الإنسانية ليواجهوا بها القيم الدينية مشكلة غير مفهومة؛ فالقيم الإنسانية لا تلغي القيم الذاتية، أن تشرب القهوة سادة أو مع سكر زيادة أو تتزوج أو تعيش عازبا، هذه مسائل شخصية، لا تتدخل فيها القيم الإنسانية بالإثبات أو بالرفض. واستدعاء قيم زمن الدعوة الإسلامية لا يعني أنها كانت قيما دينية، بقدر ما كانت مغرقة في ذاتيتها وبدائيتها وغرائزيتها، بحكم زمنها وطبيعة بيئتها القاسية، كانوا يؤمنون أن الناس رتبا وقبائل وأنسابا ومنازل؛ لذلك لم يعرفوا قيمة عرفتها مجتمعات أخرى وأزمنة أخرى، هي قيمة المساواة في الحقوق والواجبات، بل لم تخطر لهم على بال رغم ما يرفعون من شعار أسنان المشط؛ لأنها أسنان مشط واحد هو التقوى في الإسلام، وغير ذلك لا يدخل ضمنها. في ذلك الزمان ستجد حتى بلاد الحضارات تؤمن بقيم شديدة الذاتية، حتى ما وصل إليه اليونان والرومان من رقي في عقدهم الاجتماعي الديمقراطي؛ فإنها كانت «الديمقراطية» قيمة ذاتية لمجتمعهم فقط، ولا يصدرونها كقيمة إنسانية عالمية إلى بقية الشعوب، وكان الرومان يرون أن الشعوب غير المحكومة بدستور وقانون هي شعوب دون رتبة الإنسان ولقبوهم بالبرابرة. بينما في زماننا فإن الأمم المتحدة تسعى إلى تعميم الديمقراطية على شعوب الأرض، وهو كله ما يؤدي إلى الاعتراف بأنه ليست هناك قيم دينية أزلية ثابتة صالحة لكل زمان ومكان؛ لذلك تكثر الحروب الأهلية وينتشر التخلف وتتكاثر المشاكل، حيثما نجد المجتمعات التي ما زالت تعمل وفق القيم الذاتية. فعندما يحرم مجتمع الموسيقى والغناء والنحت وهي كلها قيم إنسانية؛ فإنه يحرم نفسه ارتقاء الروح والإحساس بقيمة الجمال؛ لذلك يكون تحريم التذوق الفني ارتدادا عن الإنسانية؛ لأن الإنسان هو الفنان الوحيد بين الكائنات الحية الذي يبدع الفنون ويتذوقها ويعطيها قيمة، إن مثل هذا التحريم يعود بالمجتمع ليس إلى زمن القيم الذاتية الصحراوية فقط، بل يعيده إلى الحيوانية؛ فالإنسان هو الوحيد الذي يستطيع أن يرسم، فلم نسمع عن جمل يرسم أو عن بغل يغني، رغم أنهما لنركبهما وللزينة، وعندما يرفض الإنسان الزينة والفن ويكتفي بالركوب يصبح هو وما يركبه من الفصيلة ذاتها.
ولو عدنا إلى زمن الراشدين مثلا لنكتشف شكل القيم فيه، لوجدنا أن كل شخص له قيمة وله معيار خاص للقيمة، وتنتصر قيمته ومعياره بقدر مكانته وقوته في المجتمع، هي قيم رتبة السنانير، عندما اختلف عمر الخليفة مع عماله على الأمصار حول المغانم والفيوء المنهوبة من البلاد المفتوحة، لم يختلفا حول جواز مهاجمة الشعوب وسلبها خيراتها كقيمة خيرة أو شريرة، إنما اختلفا حول نصيب كل منهما من هذه الفيوء، دون حتى قواعد واضحة لتفعيل التقسيم العادل، كانت المسألة أنت وشطارتك، فإن تمكن الخليفة فإنه يشاطر ابن العاص أموال المصريين، وإن أمكنه ناصف خالد بن الوليد أموال العراقيين، وقاعدة الغزو نفسها والسلب والنهب للآمنين لم تكن قيمة سلبية ولا مشينة، بل هي قيمة إيجابية تدل على السطوة وفروض السيطرة؛ فالقيمة عند البدوي تنبع منه، وهو من يحددها حسب مصلحته. اختلفوا حول الأنصبة وليس في حلال أو حرام؛ لأنه حسب القاعدة الدينية حلال بلال زلال، كذلك لا حديث عن المنهوب المجني عليه هنا؛ لأنه غير شريك في الإنسانية، هو من العجماوات وليس له ما للعرب من حقوق، هو من يعمل ويدفع وهم من يقبضون لقدرتهم على القبض وعلى الإنفاق، وكله في سبيل الله.
يهولنك حجم الجرأة على الحق عند من يزعمون أنهم الحق، انظر معي الفقيه قرضاوي وهو يؤكد على وجود القيم الإنسانية كأساس في منظومة الدين الإسلامي، فيتحدث في كتابه «ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده» فيقول: «ويقوم ذلك المجتمع على آداب وتقاليد خاصة تجعله نسيج وحده غير مقلد لغيره ممن بعد عنه زمانا أو بعد مكانا، مجتمع يقوم على القيم الإنسانية الرفيعة التي تقوم على احترام كرامة الإنسان وحريته وحرماته وحقوقه وصيانة دمه وعرضه وماله وعقله ونسله بوصفه إنسا، ونركز هنا على مجموعة من القيم الإنسانية وهي العلم والعمل والحرية والشورى والإخاء» (مكتبة وهبة، ص109).
أولا لا تفهم سر النزوع الغريب إلى تأكيد أن المسلمين لون خاص من البشر بلا شبيه ولا نظير، ولماذا يجب ألا يقلد هذا المجتمع غيره ممن بعد عنهم مكانا أو زمانا؟ إن هذه القاعدة من البداية تشير إلى لا إنسانية المعيار نفسه، فهو يميز بشرا عن بشر ويرفض الاهتداء بما قد يصل إليه البشر الآخرون من فوائد للإنسانية، إنها أصل وأس القيم الذاتية البدائية التي ترى ذاتها أم كل القيم ومعيار كل الأشياء.
المهم أن قرضاوي في كتابه سيركز على القيم الإنسانية الرفيعة في الإسلام وهي احترام قيمة الإنسان.
فهلا أشار لنا قرضاوي أو أي قرضاوي آخر أين نجد تلك القيمة في تاريخ الفتوحات الإسلامية التي فتحت العالم لأنوار الإسلام؟ وفي أي حادثة؟ وأحداثها كثيرة وهائلة ومهولة ومرعبة ولا مثيل لها في تاريخ القسوة حتى لو قارناها بجنكيز خان وهولاكو.
Halaman tidak diketahui