Insan Dalam Quran
الإنسان في القرآن
Genre-genre
ويجلو هذا الرأي بالأمثلة المحسوسة عالم آخر متدين، هو الأستاذ روسل هاريسون الذي يقول في كتابه عن مصير الإنسان: «إننا لا نعرف الموسيقى إذا عرفنا كل دقيقة وجليلة من الأخشاب والمعادن والأوتار التي تدخل في تركيب العود والقيثار والبيان. وبعض علماء الحياة يراقبون تعذية الحيوان، ويلاحظون أن العواطف تتأثر ببعض الأغذية فتنتقص أو تزيد. لاحظوا أن الفأرة التي يقل المنجنيز في غذائها تهمل صغارها ولا تعطف عليهم. وإنه لحسن منهم أن يلاحظوا هذا ويصلوا منه إلى زيادة حصة الحيوان من ذلك الغذاء، ولكنهم إذا جاوزوا ذلك فقالوا: إن عاطفة الأمومة هي مقدار معلوم من المنجنيز فهم مخطئون، وخطؤهم في هذا الرأي كخطأ القائل: إن نغمات الموسيقى أخشاب وأوتار.»
ويتبدل منحى الاستدلال المنطقي والعلمي، إذن، بهذا التفسير لمذهب النشوء القائل بارتقاء الحيوان، والتشابه بين كل درجة من درجاته وما دونها وما فوقها في الاستعداد لأهبة العقل والوجدان، فلا بد أن يحدث ذلك للوصول إلى الجهاز الحيواني الصالح للنهوض بمطالب الروح والوجدان. وينقلب الأمر على الماديين فيصبح المادي وهو المسئول أن يقول للمعترضين عليه من رجال الدين: لماذا يكون معيار التقدم زيادة الوعي على درجات تناسب الترقي في تركيب البنية العضوية؟ وكيف يتأتى هذا الانتظام في الأداة وفي النتيجة إن لم يكن هنالك طريق مرسوم لغاية مقدورة؟
ومن العلماء غير الدينيين من أقنعته هذه الحجة بعض الإقناع، ووافقت مذهبه في اقتباس «الديانة» من العلم، أو «الديانة بلا وحي» كما يسمونها في اصطلاحهم المتفق عليه
Religion Without Revelation ، فقال علم من أعلامهم، وهو السير جوليان هكسلي، في تقديمه لكتاب ظاهرة الإنسان: «إننا معشر بني آدم نحتوي في أنفسنا كل ما في الأرض من الإمكانات الهائلة، وفي مقدورنا أن نزيد ما يتحقق منها على شريطة الازدياد من العلم والمحبة.»
وتكاد هذه الأسطر أن تكون نسخة معنوية من كلمات الختام التي انتهى إليها السير جوليان هكسلي في كتابه «قناني جديدة لخمرة جديدة»؛ إذ يقول:
إن صورة الإنسانية المتطورة أعانتني على أن أرى - من وجهة المبدأ على الأقل - أن الدين والعلم قد يتفقان، وقد هدتني إلى مخارج من العطف والفكر يحق لنا أن نطلق عليها اسم الدين، ولكنها كانت لولا ذلك خليقة أن تكبت وتترك نسيا منسيا؛ فهي بهذه المثابة تعلمنا كيف يسهم العلم في تقدم الدين. وقد قرر جدي في مقالة عن اللاأدرية كلاما في هذا الصدد كأنه غني بذاته عن البرهان، فقال: إن كل إنسان ينبغي أن يعطي سببا للإيمان الذي يؤمن به، وإن عقيدتي لهي الإيمان بالإمكانات الإنسانية، وأرجو أن أكون قد وفقت إلى شرح أسبابها.
على أننا نجترئ بأحدث الأقوال التي انتهى إليها غلاة الماديين بيانا لمزية العقل في الحيوان الناطق، فلا نحسب أنهم قد استطاعوا أن يدعوا له مزية أقل من مزية الروح في ارتباطها بالحياة، أو بالمؤثرات الحيوية على وظائف البنية الإنسانية على الخصوص، وربما كان تعويلهم على دلالة الجهاز العصبي في الحيوان عامة، وفي الإنسان خاصة، أشد من تعويل العلماء المتدينين على دلالة الارتقاء إلى الملكات الروحية بمقدار الارتقاء في التراكيب الجسدية.
فالأستاذ بافلوف المشهور بتجاربه الجسدية النفسية يقول: «كلما أحكم كيان الجهاز العصبي في بنية الحيوان كان أقرب إلى التركز، وكان أقدر على المزيد من التأثر بوظائفه العليا على التوزيع والتنظيم في أعمال البنية كلها.»
وقد أثبت زملاء بافلوف وتلاميذه أن بقاء الحياة بعد توقف نبض القلب مرهون بسلامة المخ، الذي يحتفظ بسلامته بعد توقف النبض بنحو ست دقائق، وأن الوعي الإنساني له أثره حتى في تأثير السموم القاتلة، جاء في كتاب «مسالك العلم» الذي طبع في موسكو سنة 1956:
من العقاقير السامة القوية التسميم مادة البوتاسيوم سيانيد، وهي سريعة الفعل تقتل على الأثر بمقاديرها الكبيرة، وتسمم جميع الخلايا؛ لأن الخلايا تحت تأثيرها لا تتشرب الأكسجين ولا تتنفس، وإذا حقنت به عروق قطة ماتت على الأثر كأنها أصيبت بصاعقة. وقد حقنت به اثنتا عشرة قطة فماتت ست منها خلال بضع ثوان، ولكن الست الباقية لم تتأثر كأنما حقنت بماء، وهي الست التي خدرت بالأثير المعقم أثناء الحقن.
Halaman tidak diketahui