Insan Dalam Quran
الإنسان في القرآن
Genre-genre
وكتب إليه طالب ألماني في سنة 1879 يسأل عن عقيدته الدينية، وعن العقيدة التي يدعو إليها الأخذ بمذهب التطور، فكلف أحد ذويه أن يجيبه ويجيب غيره ممن يوجهون إليه هذه الأسئلة قائلا:
إن مستر دارون يعتذر لكثرة الرسائل التي ترد إليه ولا يتيسر له الرد عليها جميعها، ويود أن يقول: إن مذهب التطور يوافق كل الموافقة إيمان المؤمن بالله، غير أننا يجب أن نذكر أن الناس يختلفون كثيرا في تعريفهم لما يعنونه بالإله.
ويفهم من خلاصة رأيه في سيرته التي كتبها بقلمه، أنه لا يفرق بين كتب العهد القديم وكتب الديانة الهندية من حيث نسبتها إلى الوحي الإلهي، وأنه لم يقم لديه الدليل على حدوث هذا الوحي في التاريخ، ولكنه إذا أراد أن ينظر إلى المسألة الإلهية من جانب الانتخاب الطبيعي؛ فإن أنواع الأحياء كانت خليقة أن تضرب عن تجديد وجودها، واستمرار نسلها لو كانت شرور الحياة أكبر من حسناتها. وهي الحجة التي يستند إليها الملحدون في إنكارهم للمقاصد الإلهية.
وكان دارون على تردده في مسائل الغيب يشعر بقداسة الدين، ويحرص على رعاية شعور المتدينين، ولا يرتضي من العلماء أن يقحموا مذاهبهم على ضمائر الناس فيما اطمأنوا إليه من عقائدهم الروحية، فلما أراد كارل ماركس أن يهدي إليه كتابه عن رأس المال؛ كتب إليه معتذرا وقال من رسالة محفوظة الآن بمعهد ماركس وإنجلز في موسكو: «إنني أشكر لك رسالتك الودية، وأفضل أن يكون هذا الجزء من الكتاب غير مهدى إلي مع شكري لهذه التحية؛ إذ كان إهداؤه إلي يتضمن على وجه من الوجوه إقراري لما في سائر الكتاب الذي لا علم لي به. وإنني - مع غيرتي على الدعوة إلى حرية الفكر في جميع المسائل - أرى، صوابا أو خطأ، أن المناقشات المباشرة التي تناقض المسيحية والإيمان بوجود الله قلما يكون لها أثر على جمهرة الناس، وأن خير وسيلة لتحقيق الحرية الفكرية أن تتقدم العقول تبعا لتقدم العلوم؛ ولهذا أراني أتجنب الكتابة في أمور الدين، وأقصر كتابتي على المباحث العلمية.»
وعاش دارون بقية حياته على هذا الرأي، مؤمنا بأن مذهبه لا يقتضي من العقل أن ينفي وجود الله، ولا أن يمس عقائد المؤمنين بوجوده، وأن الإيمان بأية ديانة من الديانات لا يتوقف على الفصل في قضية التطور إلى الرفض أو إلى القبول.
أما «ألفريد رسل ولاس» شريك دارون في القول بتعدد الأنواع من أثر الانتخاب الطبيعي وعوامل البنية الطبيعية، فقد كان مؤمنا قوي الإيمان بوجود الإله، وكانت مراقبته لعوامل الطبيعة سببا لتصديقه بالمعجزات وخوارق العادات؛ لأنه كان يستخلص من فعل هذه العوامل في الطبيعة أنها لا تجري على هذا المجرى لزاما، بحكم العقل أو بحكم التفكير المنطقي، وأنها كان يجوز أن تجري على مجراها هذا، أو على مجرى آخر يساويه ويماثله في حكم العقل والأقيسة المنطقية، وإنما هي الإرادة الإلهية التي أوجبت هذا النظام نتيجة لتلك العوامل، فليست المعجزة التي يريدها الله أغرب من نظام العوامل المطردة في ظواهر الكون، ومرجعها جميعا إلى الإرادة الإلهية على اطراد أو على استثناء. •••
ومن عقيدة صاحبي المذهب في مسائل الغيب، نفهم أن العلماء والمفكرين في الغرب ينقسمون هذا الانقسام، وأن القول بأن عالما من العلماء أو فيلسوفا من الفلاسفة يقبل مذهب التطور، على تعدد معانيه، لا يدلنا على رأي محدود يراه في الدين المسيحي، أو في الدين عامة؛ لأنه يجوز أن يكون من المؤمنين، كما يجوز أن يكون من المنكرين أو المترددين، حسب المنهج الذي ينهجه في تفكيره وأساليب استدلاله.
ومن المفكرين والعلماء من كان يجعل التطور أساسا لعقيدته الروحية أو الفكرية، وأشهر هؤلاء بين فلاسفة القرن العشرين «برجسون» الفرنسي، و«هويتهد» الإنجليزي، وهو عدا اشتغاله العميق بالبحوث الرياضية والفلسفية رجل من رجال الدين، وعالم من علماء اللاهوت.
ويكثر بين العلماء الطبيعيين من يعتبرون التطور دليلا على النظام، ويعتبرون النظام دليلا على وجود الخالق، ومنهم أعضاء في مجمع العلوم الملكي؛ كالأستاذ «جلادستون» الذي يقول: «كثير منا نحن المسيحيين من رجال العلم من يدركون أن هناك وحدة في النظام، ووحدة في الغاية، تبدوان من خلال النظر إلى خلائق الله، ونحن ندين بأن مذهب دارون عن بقاء الأنسب لا يبطل فكرة التدبير الإلهي، أو فكرة النظام المقصود، بل يؤكد هذه الفكرة، ويمهد لنا سبيل النظر إلى الوسائل التي اختارتها العناية الإلهية لتدبير مقاصدها منذ القدم، فنرى أنها نتيجة قانون منتظم، وليست مجرد سلسلة من المفاجآت المتفرقة.» •••
أما المنكرون من علماء الطبيعة، فحجتهم في الإنكار أن العقيدة الدينية تقوم على الخوارق والمعجزات، وأنه لا سبيل إلى التوفيق بين عقيدة تقوم على خرق قوانين الطبيعة، وبين علم يقوم على تفسير الكائنات بما تقتضيه هذه القوانين.
Halaman tidak diketahui