والجواب: أنَّ هذا أولًا في حق الأحياء، وكلامه في الأحياء والأموات، ثم إنَّه قال القرطبي: "الصحيح أنَّ مريم نبية"١، وبهذا فليست قصتها من محل النزاع، ثم إن أراد أنَّا نثبت الكرامات لمن ادعاها؛ لأجل أنَّها قد وقعت لمن ذكر فهذا غير صحيح؛ لأنَّه إثبات لها بالقياس، وإثبات الكرامات بالقياس ما يقوله أحدٌ من أهل الإسلام لا من العلماء ولا العوام؛ لأنَّ الكرامة إنَّما هي فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء لا من نشاء نحن، والقياس لا يُحكم به على الرب ﷿؛ فيقال كما أحدث كرامة لمريم يحدثها لفلان هذا هذيان وتحكم على جناب الله الرحمن، وإن كان المراد أنَّها وقعت لا ننكرها فقد قدمنا لك عدم إنكار غير الخارق وأما الخارق فهو محل النزاع، ولا يتم الاستدلال بقصة مريم فإنَّ الله اختصها بخوارق لم تكن لغيرها؛ مثل الإتيان بولد من غير أب، ونطق ولدها في المهد فدل أنَّ لها رتبةً ومزيةً ليست لغيرها، وأما قصة أبي بكر٢ فهي من إحداث البركة في الطعام، ولا يُنكر فقد أخبر رسول الله ﵌ أنَّ صلة الأرحام سبب لزيادة الأرزاق
_________
١ الجامع لأحكام القرآن (٤/٥٣) . والتحقيق أنَّها ليست نبيَّة، فالذكورية شرط في الرسالة، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [يوسف:١٠٩]، وهذا قول جمهور أهل العلم، ولهذا قال شيخ الإسلام في كتابه النبوات (ص:١٦٩): "ومريم ﵍ لم تكن نبيَّة، وكانت تؤتى بطعام"، وانظر تفسير ابن كثير (٢/٤٩٦) .
٢ يشير إلى ما ثبت في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر، وفيه "أنَّ أبا بكر ﵁ ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك". البخاري (٢/٧٥ فتح) ومسلم (٣/١٦٢٨) .
1 / 87