Insaf
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
Genre-genre
ولما كان اليوم الذي ورد فيه الكتاب المشتمل من حسن الظن بوليه على ما لا يستوجبه (¬2) ، عكفت به علي الغربان مبشرات، مثلثات بالنعيب ومعشرات. لو أنس إلي ابن دأية لم أخله إن رغب في الحلي من حجل، في الرجل؛ أو تقليد، يقع بالجيد؛ ولضمخت جناحه مسكا وعنبرا، وكسوته وشيا وحبرا. على أنه يختال من لون الشبيبة، في أحسن سبيبة. يا غراب، لغيرك بعدها التراب، إن قضى الله نبذت لك ما تؤثره من الطعام، إتاوة في كل يوم لا في كل عام. كأن كتابه الكريم قسيمة من الطيب، تضوع بالأناب القطيب؛ وكأنما طرقتني منه روضة نجدية، سقتها الأنواء الأسدية؛ فعمد ثراها، وأرجت رباها (¬3) ؛ وأبدى بهارها للأبصار (¬4) . كدنانير ضربت قصار؛ وازدانت من الشقيق، بمشبه العقيق؛ ولعب فيها الماء، وهي أرض وكأنها سماء؛ ولها من النجوم نجوم، ومن طل (¬5) الشجر دمع مسجوم. ولقد سألت الوارد أن يؤنسني بتركه [لدي]؛ لكي أستمتع (¬6) في ناجر، بمشابه خبيئة الحاجر؛ ولأن أكون جليس الروضة بينا يرى لها منظرا مبهجا (¬7) ، ساف منها عرفا متأرجا. وإن العامة عهدتني في صدر الأمور أستصحب شيئا من أساطير الأولين، فقالت عالم، والناطق بذلك [هو] (¬8) الظالم، ورأتني مضطرا إلى القناعة، فقالت هذا زاهد، وأنا في طلب الدنيا جاهد. وزاد تقول القوم علي، حتى خشيت أن أكون كأحد الجهال، الذين ورد فيهم الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا [نتزعه] من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)). فغدوت حلس ربع، كالميت بعد ثلاث أو سبع. ثم حدثت علة، كني عنها في المستمع، وعافت عن الحضور في الجمع. وفي الكتاب العزيز {يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فآسعوا إلى ذكر الله}. وإنما ذكرت ذلك لينتهي إلى الموقف الأشرف أن تخلفي لمرض (¬1) ، عاق عن أداء المفترض. والإرماء، لا توجبه للشيء الأسماء (¬2) . وإن الذكر ليطير، للرجل وغيره الخطير. رب شجرة شائكة ظلها غير رحب، وماؤها غير عذب، اسمها السمرة وكنيتها أم غيلان، تذكر في آفاق البلاد، وغيرها من أشجار الثمر إن ذكر نكر. رب أسود كريه الرائحة يدعى كافورا وعنبرا، وقبيح الصورة [من البشر] يدعى هلالا وقمرا. وكيف يتأدى العلم إلي وأنا رجل ضرير، نشأت في بلد لا عالم فيه. وإنما تشبث النامية (¬3) ، بالجوازع (¬4) السامية.
Halaman 97