وكان رامز من أعضاء لجنة الإدارة في سلانيك، فلما أتى القهوة عرف من لقيهم هناك من الأعضاء، وكانوا قد يئسوا من حياته فأخبرهم أنه جاء بمهمة ذات بال تغنيهم عما يقاسونه من العذاب، وأخبروه عن محل الاجتماع في بعض أطراف المدينة ودلوه على طريقة الوصول إليه.
فتفرقوا من هناك وسار كل منهم إلى منزله. وتذكر رامز أباه وظن أنه قد يأتي في أثناء الاجتماع تلك الليلة، فأسرع إلى بيت طهماز وأوصى الجار إذا جاء رجل صفته كذا وكذا أن يقول له إن رامزا ينتظره في بيت فلان المؤدي إلى محل الاجتماع. ولم يلحظ رامز أن أحدا يتبعه، على أنه لم يكترث بذلك لعلمه أن طريقة الوصول إلى ذلك المكان لا يستطيع الجواسيس كشفها. فلما كان قبل منتصف الليل خرج من الفندق ومشى في شارع استطرق منه إلى آخر فآخر حتى وصل إلى منزل طرقه ففتح له فدخل فيه، ثم خرج من باب سري منه إلى زقاق لا يهتدي إليه غير العارف، فإذا تعقبه جاسوس يشك أن ذلك المنزل هو محل الاجتماع، فإذا دخله وسأل عن القوم لا يجد فيه أحدا ولا يهتدي إلى المكان الذي خرجوا منه، وهو منزل بعض الأجانب ممن لا يجسر رجال الشرطة ولا غيرهم أن يطرقوه. ولم يكونوا يذهبون إلى كل اجتماع في نفس ذلك الطريق، فأوصى رامز صاحب ذلك المنزل إذا أتى والده أن يرشده إلى محل الاجتماع ويخبره عن كلمة السر.
فلما صار رامز في الزقاق أصبح في مأمن من الرقباء، ومشى مدة في طرق مبهمة حتى انتهى إلى محفل ماسوني يجتمع فيه الماسونيون ولا حرج عليهم، وقد أحيط المكان في تلك الليلة بالرجال من أعضاء الجمعية المنبثين في جهات مختلفة لا يراهم أحد، وعليهم العدة والسلاح للدفاع عند الحاجة.
فلما وصل إلى الباب تلفت حتى تحقق خلو الطريق من الجواسيس، فطرق الباب طرقا خاصا ففتح له، ودخل في دهليز مظلم في أحد أركانه مصباح وجه نوره نحو الباب بواسطة عدسة مقعرة ليقع النور شديدا على وجه الداخل، وقد اصطف على الجانبين بعض الرجال في ملابس سوداء، وكلهم ملثمون لا يظهر منهم إلا عيونهم. فلما دخل رامز رفع الحراس سيوفهم المجردة فوق رأسه، فرفع يده بإشارة خاصة وسعوا له الطريق على أثرها، فمشى إلى غرفة هناك حيث ارتدى فوق ثيابه برداء أسود في أعلاه لثام يرسل على الوجه عند الحاجة، ومشى إلى قاعة الجلوس يتقدمه أحد الحراس ليهديه إلى الباب، فلما وصل إليه قرعه قرعا خاصا ففتح له ودخل. وفي هذه الحجرة 12 كرسيا هي مقاعد لجنة الإدارة لا يحضر تلك الجلسة سواهم إلا بإذن خاص، وكان رامز واحدا منهم. وقبل دخوله أفهم الحراس أن أباه سيحضر بعد قليل، فعليهم أن يدخلوه إلى القاعة بعد الاستيثاق من أمره حسب المتبع.
وكانت القاعة مربعة الشكل نظمت بها الكراسي بشكل دائري، وفي صدرها كرسي الرئيس وأمامه منضدة عليها كساء أسود، وفي منتصف القاعة منضدة أخرى صغيرة عليها الإنجيل والقرآن والمسدس، وفي صدر القاعة فوق مجلس الرئيس صورة مدحت باشا مجللة بالسواد. فعرف رامز من الأعضاء: الأميرالاي حسن رضا بك من الطوبجية، والقائمقام فائق بك أركان الحرب، والبكباشيين أركان الحرب فتحي بك وحقي بك، والمحامي رفيق بك، وطلعت بك، والبكباشي أنور بك، والقائمقام أركان حرب جمال بك، ورحمي بك. وكانوا جميعا مثله في ملابس سوداء وقد رفعوا اللثام عن وجوهم.
طرق الرئيس المنضدة التي أمامه طرقة خاصة ثم قال: «تفتح الجلسة باسم الله وبذكرى مدحت باشا ضحية الدستور .»
فوقف الجميع احتراما ثم جلسوا، وقام الرئيس فقال: «أيها الإخوان، إن أخانا رامزا قادم إلينا من يلدز في مهمة خاصة يرجو منها خيرا، فلنسمع ما يقول.»
فوقف رامز وقال: «أنتم تعلمون أني أخذت غيلة إلى يلدز منذ أيام، ولعلكم قطعتم الأمل من حياتي لأن الذاهب إلى ذلك المكان كالذاهب إلى القبر أو إلى الجحيم.»
فضحك الحضور وقال الرئيس: «علمنا بذلك، وكانت أخبارك تأتينا بواسطة أحد إخواننا الشجعان هناك لا نظنك تعرفه!»
فاستغرب رامز ذلك وقال: «إني لم أشاهد أحدا لأني كنت هناك في مكان منعزل عن الناس.»
Halaman tidak diketahui