ثم وجه خطابه إلى توحيدة وقال: «لا تستغربي يا سيدتي هذه الجرأة مني، فإن سيدي طهماز بك جرأني على ذلك.» وقدم العلبة مفتوحة إلى توحيدة، فوقع بصرها فيها على قطعة من الحلي على هيئة الطائر، مرصعة بحجارة من الماس والياقوت، يأخذ لمعانها بالبصر، لا يقدرها العارفون بأقل من خمسمائة جنيه. فتناولت العلبة ويدها ترتجف من الارتباك، لعلمها أن شيرين لا يرضيها شيء من ذلك، ولم تعرف بم تجيب، فأجاب طهماز عنها قائلا: «إن شيرين عاقلة، وهي من بنات هذا العصر اللواتي اختبرن وطالعن، فهي لا تجهل مركز صائب بك، وستقبل هديته مع الامتنان»، وتناول العلبة وجعل يتفرس في أحجارها ولمعانها وقال: «أنا أقدم لها هذه الهدية عنك.» قال ذلك ونهض وهو يتهادى في مشيته والعلبة في يده، فتبعته توحيدة وقلبها يختلج خوفا مما تخشى وقوعه على أثر تلك المقابلة.
وكانت شيرين متوسدة الفراش وأذناها مصغيتان لما يدور من الحديث في حجرة الاستقبال فلم تفتها كلمة قيلت هناك، فلما سمعت قول أبيها وعلمت أنه مشى نحو غرفتها ارتعدت فرائصها وغلب عليها الغضب، وودت لو أنهم أعفوها من تلك المقابلة، لكنها ما لبثت أن سمعت سعال والدها بالباب. وأسرعت والدتها أمامه تسترق الخطى نحو سريرها وهي تحسبها نائمة، فإذا بشيرين قد جلست وأخذت تفرك عينيها فقبلتها والدتها وقالت لها: «بم تشعرين الآن يا شيرين؟»
فلم تجبها، لكنها تجلدت وحولت نظرها نحو الباب فرأت أباها داخلا وقد أخرج الحلية المرصعة من العلبة، وتقدم نحوها بلطف لم تعهده فيه من قبل، حتى إذا دنا من السرير تبسم وهو يتجشأ وقدم الحلية إليها قائلا: «كيف تجدين هذا الطائر يا بنية؟ ألا تستلطفينه؟»
فتباعدت شيرين عن الحلية كأنها تخاف أن تلسعها، ولم تجب. فتفرس أبوها في وجهها وهو يضحك وقال: «لا تخافي، إنه لا يعض بل هو حلية ثمينة تليق بعنقك الجميل»، وقربه نحو صدرها.
فتراجعت وهي لا تنظر إليه ودفعت يده عنها بلطف، فقال: «ما بك؟ ألا تزالين مريضة؟»
فسرها سؤاله لأنه فتح لها بابا للكلام فقالت: «نعم يا أبي، إني أشكو صداعا شديدا»، وأظهرت ميلها إلى الرقاد.
فأمسكها بذراعها ليمنعها من النوم وقال: «إذا كنت تشكين صداعا فضعي هذا الطائر على رأسك فإنه يشفيه.» ورفعه إلى رأسها.
فردته وأظهرت التمنع، فأظهر أنه عاتب عليها وقال: «أقدم لك هدية وترفضينها يا شيرين؟!»
فنظرت إليه نظر الاستعطاف وقالت: «إنك أبي وتقدر أن تأمرني بما تريده فأطيعك إلا هذا الأمر، فإني لا طاقة لي به.»
فقال: «لا أظنك فهمت مرادي، إني أقدم لك هدية ثمينة جاءنا بها صديقنا صائب بك.»
Halaman tidak diketahui