وكانت غرفة شيرين بجانب حجرة الاستقبال، فكانت تسمع كل كلمة من الحديث، فسمعت أباها يقول: «ولكن رامزا ابننا، وأنا أعد نفسي بمنزلة أبيه، وهو أيضا صديقك، ألا تقدر على تخليصه من هذه الورطة؟»
فقال وهو يمشط لحيته: «لو أخبرتموني في الصباح لكان ذلك هينا علي، أما الآن وقد بلغت أخباره القصر وأرسلت أوراقه إلى الأستانة، فكيف السبيل إلى إنقاذه؟»
قال طهماز: «أنت تقدر يا بك.»
فأطرق صائب حينا يفكر ثم قال: «أما إخراجه من سجن سلانيك فقد أصبح مستحيلا، لكنني أبذل جهدي لتخفيف جرمه في الأستانة إذا أمكن، ولكنه سامحه الله لم يدع بابا للمصالحة، أخبرني ناظم بك أن بين أوراقه ما يدخل كثيرين في الخيانة معه، وفيهم امرأة.»
فلما سمعت توحيدة قوله صعد الدم إلى وجهها وظهرت البغتة عليها، لعلمها أن هذه المرأة إنما هي ابنتها وأنها واقعة في الفخ لا محالة، ولكنها تجلدت وأصغت لعلها تسمع شيئا جديدا، وودت لو أن ابنتها مستغرقة في النوم حتى لا تسمع ذلك. ونهضت تظهر أنها تريد مخاطبة الخادم لإعداد المائدة ودخلت إلى غرفة ابنتها، فرأتها مستلقية وقد أصاخت بسمعها، فحالما أقبلت عليها قالت شيرين: «لقد سمعت كل شيء.»
قالت: «هل سمعت آخر فقرة؟»
قالت: «تعنين اتهام امرأة مع رامز؟ نعم، سمعت ذلك، وهذا عزائي الوحيد، لأني عند ذلك أحمل إليه فإما أن نموت معا وإما أن نعيش معا، هل أنا خير منه؟»
فيئست أمها وازداد حزنها لأنها كانت تحسب اتهام ابنتها، والأمل في النجاة على يد صائب، مما يجعلها تلين وترضى بمخاطبته لعله ينقذها. ولا شك في أنها تحب رامزا ولكن حبها لابنتها في المكان الأول، فقالت: «نعم، يشق علينا وقوع عزيزنا رامز في الخطر، ولكن هل نلقي بأيدينا إلى التهلكة؟ وإذا كان في إمكاننا تخليصك فكيف لا نفعل؟ ولعلنا ننجي رامزا أيضا.»
فقطعت شيرين كلامها قائلة: «تريدين إنقاذي على يد هذا الجاسوس؟ وهل صدقت زعمه أنه لم يكن يعلم وهو الذي وشى به؟ أنا لا أريد نجاتي على يده، بل أريد أن يؤكد تهمتي لأشارك رامزا في حظه.» قالت ذلك واستلقت على سريرها وغطت وجهها بزندها، فتركتها والدتها وتوجهت إلى المطبخ وأمرت الخدم بإعداد المائدة، وأتت إلى زوجها فوجدته يتهامس مع صائب وهو يضحك، فلما رآها سألها عن الطعام فقالت: «تفضلوا إلى المائدة.»
فنهضوا فغسلوا أيديهم، وصائب يتوقع أن يرى شيرين قادمة إلى المائدة، فلما جلسوا ظل كرسيها فارغا فقال: «إني لا أرى شيرين معكم، أرجو أن تكون في خير حال.»
Halaman tidak diketahui