103

Inqilab Uthmani

الانقلاب العثماني

Genre-genre

وهذه وصية خاصة أحرضكم على العمل بها فقد كلفتني حياتي وحياة كثيرين أمثالي من الأحرار: إن الحر الصادق سريع التصديق كثير الوثوق، وقد يجره وثوقه إلى الخطر لأن الناس حوله على غير ذلك، ولا سيما عبد الحميد. إذا وصلت وصيتي إليكم وهو حي فأوصيكم ألا تثقوا بأقواله ولو أقسم فإنه كاذب. احذروا الوثوق به، فإن الوثوق جرني إلى الموت، لا تصدقوه ولو أقسم وظهرت علامات الصدق في وجهه، فإن ذلك الوجه لا مثيل له من حيث التلون، إن فيه شيئا لا أعرفه في سائر الوجوه يوهمك منظره أنه صادق وما هو كذلك، له قدرة غريبة على إقناع مخاطبه، وقد يتظاهر بالبكاء ندما وأسفا وهو ينوي غير ما يقول فاحذروه.

فلما بلغ الرئيس إلى هنا وقف أنور بك وقال: «أستأذن الأخ الرئيس في أن أقول: فليحي مدحت أبو الأحرار ! هذا هو الرأي الصواب، وقد جاء قوله فصل الخطاب.»

فابتسم الرئيس وعاد إلى القراءة فقرأ:

خامسا:

بقيت وصية ربما تعجبون منها: فإن الحرية تقتضي العدل والرفق وحجب الدماء ولكنها لا تنال إلا بسفك الدماء، فافتكوا بالأفراد الذين يقفون في سبيل أغراضكم، لأن رجلا واحدا شريرا قد يكون وجوده سببا في خراب أمة أو ضياع حقوقها، فإذا كان الحق لا يقضي بقتله فالسياسة تقتضيه. افتكوا بالأشرار، اقتلوهم. وإذا كانت الجندية معكم فليس أهون عليكم من ذلك. كل من تأكدتم سعيه ضد الحرية والدستور فاقتلوه وأنا المسئول عن ذنبكم بقتله. إنكم بمثل ذلك تحيون أمتكم، ولو أتيح لي أن أعرف ذلك من قبل لكنتم الآن رافلين في بحبوحة الدستور، ولكن تلك سنة الله في خلقه يستفيد الأبناء من اختبار الآباء.

ولما وصل الرئيس في الوصية إلى هنا تنفس الصعداء، ولم يتكلم أحد إلا الشاب الملازم ك، فإنه تنحنح تصديقا لما سمعه. وعاد الرئيس إلى القراءة فقال:

سادسا:

إذا أتيح لكم الفوز بالدستور فاحذروا أن تبقوا هذا الطاغية على كرسي السلطنة، وإن ظهر لكم أنه تاب ورجع، فإنه يظهر غير ما يضمر.

سابعا:

لي وصية أخرى تتعلق بتوارث الملك في الدولة العثمانية: إن طريقة التوارث الجارية إلى اليوم لا تخلو من الخطر على الدولة، إذ يكون ولي العهد شخصا معينا هو أكبر أبناء السلاطين سنا، فقد يتفق أن يكون غير كفء لإدارة أمور الدولة، فإذا أعلن الدستور وصارت الحكومة العثمانية دستورية أصبحت مقاليدها في أيدي النواب، فينبغي أن ينظروا في توارث الملك، إنه عظيم الأهمية إن لم يكن حال الانقلاب فبعده عند سنوح الفرصة. والذي أراه أن يبقى حق السيادة في آل عثمان يتوارثونها على أن يكون كل بالغ من أبنائهم مرشحا لولاية العهد، وإنما يكون للأمة أو مجلس نوابها أن يختار منهم من يجد فيه الكفاءة لهذا المنصب. لا أنكر ما يعتور هذه الوصية من العقبات ولكنها لازمة.

Halaman tidak diketahui