Inqilab Cuthmani
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Genre-genre
وكان الأدب التركي كله خيالات ومبالغات أعجمية، قلما يجد الإنسان فيه حكمة وتعقلا، وديوان شناسي صغير الحجم، ولكنه أنموذج للأدب الجديد، وأكثر قصائده في مدح مصطفى رشيد باشا، وأنشأ شناسي جريدة تركية سماها «تصوير الأفكار»، وحرر فيها المقالات السياسية والتاريخية والأدبية بقلم سهل سلس مفهوم، وطبع ديوانه مع منتجات «تصوير الأفكار» ثانية في مطبعة أبي الضيا توفيق بك، وكانت وفاة شناسي في سنة 1288 قبل بلوغه سن الشيخوخة والوظائف العالية.
عالي باشا وفؤاد باشا
ظهرت فئة قليلة من المتعلمين على النسق الجديد، واقتفوا أثر مصطفى رشيد باشا، ونبغ منهم اثنان شهيران خلد التاريخ ذكرهما، وهما: السيد أمين عالي باشا وفؤاد باشا، ومولدهما في سنة 1230ه؛ والأول: ابن مصر جارشيلي علي رضا أفندي؛ أي المنسوب إلى سوق مصر، وهو سوق العطارين. والثاني: ابن الشاعر الشهير كجه جي زادة عزت ملا الذي نفي للأناضول في زمن السلطان محمود خان ومات في منفاه، فتعلم أمين مبادئ العلم وإجادة الخط وقرأ الفرنسية على معلم مخصوص، ودخل قلم الديوان الهمايوني في الخامسة عشرة من عمره.
وكان من عادة رؤساء القلم تسمية كل داخل باسم يتميز به عن سميه، ولم يصطلحوا كالعرب والإفرنج على تسمية الولد باسم أبيه أو أسرته، وكان أمين قصير القامة فسمي «عالي» تسمية بالضد؛ تفاؤلا بعلو همته، فذهب إلى أوروبا موظفا في كتابة السفارات، وأتقن الفرنسية، وانتسب إلى رشيد باشا، وامتاز في فنون السياسة والمعارف العصرية، وعين عضوا في «أنجمن دانش»؛ أي مجلس المعارف المؤسس على نسق المجامع العلمية
L’Academies
في أوروبا، وكان عالي باشا يحسن الفرنسية والتركية كتابة وإنشاء، وتقلب في وظائف كثيرة مهمة، مثل السفارات والوزارات ومسند الصدارة العظمى. وأما فؤاد فدخل المكتب الطبي العسكري، وخرج جراحا في العسكرية، ثم دخل قلم الترجمة في الباب العالي، وتقلب في الوظائف السياسية الداخلية والخارجية، ورأس مجلس التنظيمات ومجلس الأحكام العدلية، وحضر إلى سوريا أيام حوادث لبنان، وكان إذ ذاك ناظرا للخارجية، ثم ذهب بمعية السلطان عبد العزيز إلى معرض باريس سنة 1867، ومرض فيها، وتوفي في «نيس» من أعمال فرنسا وله من العمر 55 سنة فقط، وكان في اللغة التركية أديبا شاعرا، وضع مع جودت باشا «القواعد العثمانية» التي لم يؤلف للآن أحسن منها، وخلف الفريق كجة جي زادة عزت فؤاد باشا الكاتب الشهير.
فرشيد باشا وعالي باشا وفؤاد باشا هم نوابغ السياسة العثمانية، وواضعو الإصلاحات الجديدة بدلالة السفراء الأجانب؛ إرضاء لدول أوروبا ولا سيما إنجلترا، ومماشاة لها لحرصها على تقوية الممالك العثمانية لتتقي بها شر روسيا؛ فأمر هؤلاء النوابغ بترجمة القوانين والنظامات والتعليمات والأمور المدرجة في الدستور ترجمة حرفية، ولم يجدوا لهم وقتا لدرس احتياجات البلاد الداخلية والمدنية الإسلامية حق درسها، ولا لنشر الأفكار الجديدة بين المسلمين المفاخرين بسابق مجدهم ومتانة شرعهم؛ ولذا لاموا هؤلاء المصلحين ولم يرضوا عن أعمالهم، زاعمين أنها تئول إلى قلب البلاد وجعلها أفرنجية محضة؛ ولذلك كانت الأكثرية لحزب تركيا القديمة، ولم يكن من حزب تركيا الفتاة إلا فئة قليلة، درسوا العلوم الجديدة درسا سطحيا، وبعضهم زار أوروبا مرة أو مرتين، ومع هذا وفق حزب تركيا الفتاة لاستمالة أوروبا إليه، وأفلح في الحصول على اتفاق إنجلترا وفرنسا وساردينيا؛ أي إيطاليا، فحارب روسيا وانتصر عليها في حرب القرم، وعقد معاهدة باريس (30 مارس سنة 1856)، واعترفت أوروبا بمقتضاها بتمام ملكية الدولة العثمانية واستقلالها، ومنع أية دولة من المداخلة في أمورها الداخلية، وصدر خط شريف ثان في ذلك التاريخ أيضا مؤيد لخط كلخانة، وهو يشتمل على حرية الأهالي ومساواتهم في الحقوق والمعاملات، ثم جلس السلطان عبد العزيز خان سنة 1861، وأصدر فرمان الإصلاحات، ولكن هذه الفرمانات والخطوط الشريفة السلطانية لم تمنع سوء الاستعمال والاستبداد الذي في إدارة الدولة تماما، بل بقي الارتكاب والظلم والاستبداد على ما كان عليه سابقا، لعدم إصلاحهم السراي السلطانية، كما أصلحوا وجاق الانكشارية والصباهية وقلبوهما إلى النظام الجديد.
حزب تركيا الفتاة
أول مؤسس لحزب تركيا الفتاة هو مصطفى فاضل باشا ابن إبراهيم باشا المصري، ثم صهره خليل شريف باشا. ولد مصطفى فاضل في القاهرة سنة 1830م، وحصل العلوم الجديدة حتى صار على جانب من العرفان والاضطلاع والوقوف على دقائق الأمور، فخدم في مصر، وبعد جلوس السلطان عبد العزيز بسنة عين ناظرا للمعارف في الأستانة، ثم ناظرا للمالية، وأجرى فيها عدة إصلاحات، وكان ميكروب الاقتراض قد تفشى في هذه النظارة، وأحدث بلاء القوائم النقدية، حتى بلغت الديون ما بلغته؛ فأثقلت كاهل الأمة، وكان الصدر الأعظم إذ ذاك يوسف كامل باشا صهر والي مصر محمد علي باشا، ومترجم تليماك للتركية الترجمة الأولى العويصة، وكان عالي باشا في نظارة الخارجية، وفؤاد باشا في رياسة مجلس الأحكام العدلية، ثم في نظارة الحربية، وأدخل فيها حسين عوني باشا العدو الألد لعمر باشا المجري، وكان فؤاد باشا انتدب حكما لفصل الخلاف الحادث بين مصطفى فاضل وإخوته على تقسيم ميراث أبيهم؛ فحصل بينهما موجدة وعداوة، فلما تولى فؤاد باشا الصدارة تسبب في عزل مصطفى فاضل من نظارة المالية مع ما له من الخدم والإصلاحات المفيدة، فشق ذلك على مصطفى فاضل وقدم للسلطان عبد العزيز خان لائحته الشهيرة التي شدد فيها النكير على الاستبداد، وكشف الغطاء عن عورات الدولة، وبين أسباب الضعف والانحطاط وسوء الاستعمال بحرية لم يعتدها رجال المابين ولا سمعوا بمثلها قبل ذلك، ثم هاجر إلى باريس سنة 1865، ولحقت به فئة من الشبان، فأكرم مثواهم وأنفق على تعليمهم، ونبغ منهم كثيرون في الأدب والكتابة والسياسة. حدثني أحدهم قال: كنا في باريس في عيشة راضية، لا يهتم الواحد منا بأمر معايشه، فإذا فرغ من الدرس والتحقيق والمشاهدة عاد إلى منزله، فوجد ما يحتاج إليه من الطعام والمنام، بخلاف أحرار هذا الزمان الذين قاسوا أشد العذاب في أمر معايشهم.
فاشتغلت النابتة الجديدة بفنون الأدب وعلوم التاريخ والسياسة والصناعات النفسية، فنظموا الشعر وألفوا القصص ونشروا المقالات في الجرائد، ونبغ منهم نامق كمال بك شاعر النشأة الجديدة وأديبها وموجد الأدب الجديد العثماني، ولد في الأستانة سنة 1250ه، وقرأ في المكاتب، وتعلم الفرنسية، وصارت له مهارة زائدة في الإنشاء الذي نشر به مقالاته السياسية في الجرائد بأسلوب مستحدث طريف هو من السهل الممتنع، وأشعاره على نسق أشعار فيكتور هوجو في طلب الحرية وتدبير المملكة وإصلاح شئون الحكومة، وله مؤلفات كثيرة، منها التاريخ العثماني الذي لم يطبع، وقصة وطن أو سليستره التي تمثل اليوم في الأستانة وسلانيك بعد حدوث الانقلاب، وتوفي نامق كمال بك وهو متصرف في جزيرة ساقز سنة 1305ه، ومنهم ضيا باشا الأديب الشاعر، وسعد الله باشا سفير ڨيينا الأسبق مترجم قصيدة لامارتين التي عنوانها «البحيرة»، وله أشعار عصرية رائعة، ومنهم أبو الضيا توفيق بك الذي أصلح حروف الطبع وكتب الخط الكوفي، وطبع الكتب والرسائل والمجموعات بصنعة بديعة عجيبة لم تبلغها إلى الآن مطابع الشرق ولا مطابع أوروبا الشرقية، وعبد الحق حامد بك سفير بروكسل وصاحب قصة طارق بن زياد، وكثير غيرهم من الكتاب والأدباء أنصار حزب تركيا الفتاة الذي أسسه مصطفى فاضل باشا، ثم صهره خليل باشا الذي جاء من مصر إلى الأستانة، وتوظف في نظارة الخارجية بسبب معرفته الفرنسية، وصار سفيرا في باريس وغيرها وناظرا للخارجية، وتزوج بأكبر بنات مصطفى فاضل باشا، وهي الأميرة الشهيرة نازلي هانم، التي اقتفت أثر والدها وزوجها الأول في تعضيد حزب تركيا الفتاة، وساعدته بالمال والجاه هي وشقيقها الأمير محمد علي باشا.
Halaman tidak diketahui