Inqilab Cuthmani
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Genre-genre
لائحة فاضل باشا للسلطان عبد العزيز
لخص مصطفى فاضل باشا سياسة تركيا الفتاة في اللائحة المذكورة التي قدمها إلى السلطان عبد العزيز خان، وقال فيها:
تتصور أوروبا أن المسيحيين وحدهم في تركيا خاضعون للمعاملات الاستبدادية، ولاحتمال أنواع الأذى والتحقير المتولد من الظلم، وليس الأمر كذلك، فإن المسلمين ربما كان الظلم والعسف أشد وطأة عليهم، وهم أكثر انحناء تحت نير العبودية من المسيحيين؛ لأن المسلمين ليس وراءهم دولة أجنبية تتحيز لهم وتحامي عنهم، فرعايا جلالتكم من جميع المذاهب مقسومون إلى صنفين؛ هما الظالمون ظلما لا حد له، والمظلومون بلا شفقة ولا مرحمة، والأولون يجدون في الحكومة المطلقة غير المقيدة التي تستعملها جلالتكم والتي اغتصبوها؛ إغراء وتشويقا إلى جميع الرذائل، وأما الآخرون فتفسد أخلاقهم أيضا بعلاقاتهم الضارة مع سادتهم، وبما أنهم مجبرون على الخضوع دائما للشهوات الرذيلة، ولا يستطيعون إيصال شكاياتهم الصحيحة إلى أعتاب سدتكم الملوكية؛ لأن ظلامهم يرون هذه الاستغاثة - مع الاحترام - بحكومة جلالتكم من أكبر المفاسد؛ فاعتادوا على دناءة الأخلاق التي لا يمكن تصورها.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فهذه الأصول الاستبدادية التي كان أعداء الإصلاح من حزب تركيا القديمة يريدون المحافظة عليها، ويعدون التمسك بها من الغيرة الدينية والحمية الوطنية، والإسلام والوطنية بريئان منها للأسباب المشروحة فيما مر، فحزب تركيا الفتاة يمكننا أن نعتبر وجوده منذ تولي مصطفى فاضل باشا نظارة المعارف (1862م) وهاجر إلى باريس (1865-1867م)، وأنصار هذا الحزب هم جميع المطلعين على الكتب الفرنسية وأدب الطريقة المدرسية أو على ما ترجم بالتركية، والذي أطلق عليه هذا الاسم هم الفرنسيون فقالوا: «جون تركي» كما يقولون: «جون فرانس - جون ألمانيا - جون إيطالي» فترجم بتركيا الفتاة، وقيل بالتركية: «كنج تركلر»، ولذا قال هانوتو: إن تركيا الفتاة من اللغة الفرنسية، وقد جوزي مصطفى فاضل باشا على جرأته بمصادرة أمواله، ثم أعيدت إليه بوساطة بعض الأجانب، ولكنة حرم من ميراث الخديوية هو وحليم باشا؛ بسبب صدور الفرمان السلطاني بانتقالها إلى أكبر أولاد المالك، وهو إذ ذاك إسماعيل باشا، وصار مسند الخديوية ينتقل من الوالد إلى ولده، بعد أن كان ينتقل إلى الأكبر فالأكبر من الأسرة، كما هي القاعدة التقليدية في جميع الممالك الإسلامية، لما علمت أن الإسلام ليس فيه ملك موروث.
وفي سنة 1278ه و1871م أصيبت المملكة العثمانية بوفاة أشهر قوادها عمر باشا، وأشهر ساستها الصدر الأعظم عالي باشا؛ صاحب الأعمال الكثيرة في تنظيم إدارة الحكومة، ووضع ميزانية للمالية، وتأسيس نظارة الداخلية والأوقاف ومجالس الدعاوى والتمييز، وتنظيم أصول المحاكمات واستعمال الأصول الإعشارية، وغير ذلك من الإصلاحات الداخلية والسياسية الخارجية، وترجمت القوانين والنظامات عن الفرنسية بلا نظر ولا معرفة بصالح البلاد واحتياجاتها فترجموا - مثلا - قانون التجارة الفرنسي القديم، وأبقوا فيه مسائل النكاح والبائنة - الدوتة - واشتراك الزوجين بالأموال وعدمه، كما هو مختص بالأوروبيين ولا وجود له في الشرق، لا عند المسلمين ولا عند المسيحيين، وبعد وفاة عالي باشا تولى مسند الصدارة محمود نديم باشا، ومال إلى روسيا حتى سمي «نديموف» وبذر أموال الخزينة، وأصبح آلة في يد الجنرال أغناتيف سفير روسيا في الأستانة.
صدارة نديم باشا الأولى
محمود نديم باشا كان أبوه واليا، فتربى في داره على الاستبداد والارتكاب، وعين واليا كأبيه ثم ناظرا للبحرية ، وكان شديد التعصب للإدارة القديمة المستبدة.
كثير البغض للإصلاحات الجديدة والحرية، تقرب إلى السلطان عبد العزيز خان بالتملق، واستولى عليه من أضعف نقطة فيه وهي العظمة، فدس له بأنه تحت وصاية فؤاد باشا وعالي باشا، مع أنه خليفة الله في الأرض، والقابض على رقاب خمسين مليونا من الرعية الذين هم عبيد جلالته! وأن بيت المال هو حق من حقوقه، له أن يتصرف فيه حسبما شاء وأراد! وكانت الميزانية المالية وضعت في أيام عالي باشا وفؤاد باشا، وحددت فيها مصروفات المابين، فانقلبت أحوال السلطان عبد العزيز خان في صدارة محمود نديم، واستبد بالأمر، وأبعد عن الوظائف الملكية والعسكرية الرجال الذين تخيرهم عالي باشا ودربهم وعلمهم حتى كانوا من خيرة الموظفين، واستبدل بهم المرتكبين، وكثر تحويل الوظائف والعزل والنصب والترقي في جميع الوظائف الملكية والعسكرية، حتى كان الضابط يرتقي إلى المراتب العلى في أقرب وقت، ويصبح مشيرا بعد أن كان من قبل ضابطا صغيرا، وزاد الإسراف والتبذير ببناء السرايات التي لا لزوم لها وإنشاء الأسطول الذي صار أثرا بعد عين، كما زاد الانهماك في الملذات والشهوات، وكانت أوروبا وصيارفة الأستانة تقرض الأموال بالربا الفاحش والديون تتراكم على الدولة، والمكلفون بأدائها هم فقراء الرعية من أصحاب الأعشار والأغنام يؤدونها من كد اليمين وعرق الجبين.
Halaman tidak diketahui