كان ماجد أحمد متوسط الطول، لم يكن ممشوقا أو رياضيا، لم يعزف على الكمنجة أو العود أو البيانو، لم تكن تهتز حين تراه، كما كانت تهتز حين ترى جابور أو ابن عمتها الفلاح عبد الجليل.
في مفكرتها تحت وسادتها كتبت بالقلم الرصاص: «الحب أمر غامض، يحدث أو لا يحدث، من دون سبب أعرفه.»
علامة الحب فقط تراها، البريق المشع من العينين، تراه في عيني من تحبه أو من يحبها، هل شعرت أن ماجد أحمد يحبها؟
ربما كان معجبا بها، كان لها بعض معجبين في الجامعة لا تنتبه إليهم، بالرغم من عدم اهتمامها بهم، أو بسبب ذلك، كانوا يهتمون بها، لم تحس بوجودهم كجنس آخر، ربما تأثير أمها وأبيها فيها، غرس فيها بذور الطموح في العلم أو الأدب، ليس في الزواج والأطفال.
في المدرسة الثانوية، تفوقت بالرغم من انغماسها في الحب، لا تنسى واجب المدرسة ومراجعة دروسها، تحب أن تحل مسائل الحساب وعمليات الجبر والهندسة، وعلم الأحياء والكيمياء، لكن أكثر ما تحب هو الأدب الإنكليزي والعربي، روايات فيرجينيا وولف ومي زيادة.
كانت تحصل على أعلى الدرجات في الأدب، يتنافس المدرسون والمدرسات في استعارتها إلى فصولهم حين يأتي مفتش اللغة العربية أو الإنكليزية، يجلسونها في الصف الأول، تجيب عن أسئلة المفتش، يصفق لها ويهنئ الفصل بها، يمنح المدرس أو المدرسة تقريرا ممتازا، وبعد انصراف المفتش تطرد فؤادة إلى فصلها.
اكتسبت في الجامعة مكانة بين الأساتذة وزملائها، تنافس في حبها ثلاثة من الطلاب، وأستاذها د. يوسف عبد الله طلب يدها من أبيها زميله في الجامعة.
كان الدكتور يوسف في السبعين من العمر، يدرس الأدب العربي، من أشعار عمر الخيام إلى قصائد أبي نواس، يضع وردة حمراء في عروة البذلة الأنيقة من الصوف الإنكليزي، يصبغ شعره الأبيض بالحناء السوداء مثل كبار رجال الدولة، كان يشرف على رسائل الماجيستير والدكتوراه للطلبة والطالبات، في يوم من أيام الربيع ضبط في أحد المدرجات الخالية بمحاولة تقبيل طالبة، لم ينله أي عقاب، لكن الطالبة فقدت سمعتها وأخرجها أبوها من الجامعة.
لم تكن فؤادة تطيق النظر إليه، قصير القامة مترهل الردفين، ذو كرش بارزة، ناعم الصوت مع الطالبات، خشن قاس مع الطلبة، كان صديقا لأبيها بالرغم من الاختلاف بينهما، يزورهم في البيت أحيانا، تسمعهما يتناقشان في الصالون في السياسة أو الأدب أو أي شيء آخر: - إزاي يا يوسف تفكر في بنت من عمر أحفادك؟ - الحب يا محمد. - حب إيه ده اللي يلغي عقلك؟ - شيئان يا محمد لا يمكننا مقاومتهما. - إيه وإيه يا يوسف؟ - الشيخوخة والحب. - كلام فارغ يا أخي وفين المسئولية؟ - الحرية فوق المسئولية يا محمد. - حريتك في المتعة لا تكون فوق مصلحة الآخرين يا يوسف. - الذات أولا يا محمد، ربنا حلل لنا الزواج بأكثر من واحدة، والرسول قال: ابدأ بنفسك. وإلا انسحقت الذات تحت اسم مصلحة الآخرين، أنا ليبرالي مش شيوعي زيك يا محمد. - أنا لا شيوعي ولا ليبرالي يا يوسف، أنا مع الحرية لكن بشرط المسئولية، لا يمكن يا يوسف أن نحقق ملذاتنا على حساب الغير. - ولا يمكن يا محمد كبت رغباتنا ومشاعرنا تحت اسم مراعاة مشاعر الآخرين ورغباتهم، الفرد أولا، لا يمكن سحق الفرد من أجل المجموع. - نعيش في مجتمع إنساني وليس غابة يا يوسف، المصلحة العامة فوق أهواء الفرد، على العموم الرأي يرجع إلى فؤادة هي صاحبة القرار.
صرخت فؤادة فزعا: معقول يا بابا أتجوز العجوز ده أبو كرش؟
Halaman tidak diketahui