إذا اعترف جلال أسعد بفعلته وأبدى استعداده للزواج بابنتها؟
جلال أسعد شاب محترم، سوف يتخرج في معهد الكومبيوتر، لن تتزوج ابنتها رجلا أفضل منه، سيوفر لها شقة وحماما، لن تقف في الطابور أمام الحنفية، وسيشتري لها جهاز العروسة، وسريرا ومخدات، ومطبخا فيه حلل وصحون، وفناجين شاي لها حواف منقوشة، واقفة في الشارع خيالها شارد مع أحلامها عن مستقبل ابنتها وزوجها جلال أسعد، انتبهت إلى الجسم الصلب تحت جلبابها، آخ السكين؟ أتقتل زوج ابنتها؟
استدارت عائدة، كانت ابنتها هنادي تغط في النوم، ابتسمت وهي ترمق ارتفاعة البطن، حفيدها سيكون اسمه مسعود؛ لأنه مسعود، يحمل اسم أبيه جلال أسعد، يكتب أبوه شهادة ميلاد رسمية باسمه الثلاثي، مسعود جلال أسعد، يدخل المدرسة والمعهد العالي، يصبح موظفا محترما يجلس خلف مكتب، خرجت من الباب بدون السكين، تمشي بخطوات سريعة، يندفع جسدها إلى الأمام بقوة، عاد إليها شبابها، لم تعد تحس بآلام ظهرها وركبتها، لم يكن جلال أسعد في بيته، باب الشقة مغلق بقفل، ورقة مثبتة بدبوس فوق الباب الخشبي، مكتوب عليها حروف لم تستطع قراءتها، آه لو تعلمت في المدرسة! الأستاذة دربتها على قراءة الأرقام وبعض الحروف، التقت عيناها كلمة «معهد» من الورقة المعلقة على الباب، لا بد أنه معهد الكومبيوتر، دفعت ابنتها المصاريف وها هي في سنتها الأولى، أمامها ثلاث سنوات وتتخرج، ياه تلات سنين يا سعدية؟ يا ترى مين يعيش؟ يمكنها تزويج هنادي من جلال أسعد في شهر أو شهرين، شهرين على الأكثر حتى لا يلحظ الجيران ارتفاعة بطنها، وتصبح ابنتها ست بيت لا تخرج مثلها كل يوم للشغل، لا بد أنه معهد الكومبيوتر، كانت تمر أمامه في طريقها إلى منزل الأستاذة، يمكن أن تذهب إليه بخطوتها السريعة في ساعة ونصف ساعة، لكن الأوتوبيس أسرع، وهي لا تستطيع الانتظار، أمامها مهام عاجلة، أهمها أن تشتري ملابس حفيدها من المحل الكبير في ميدان السيدة، عرفت أنه ولد من رائحة قميص أمه هنادي، آه يا بنتي ربنا يمتعك بالسلامة، نزلت من الأوتوبيس أمام باب المعهد، المبنى الأبيض الضخم له أعمدة عالية، خفق قلبها، مزيج من الرهبة والفرح، جلبابها الأسود أصبح كالحا أجرب إلى جانب الأعمدة البيضاء، الحوش كبير من الأسفلت لا يعلوه التراب، الأشجار خضراء تهتز تحت السماء الزرقاء، رائحة الهواء منعشة، الوجوه نضرة نظيفة، شباب أجسامهم طويلة ممشوقة، وشابات رشيقات يسرن بخطى سريعة، ملابسهن نظيفة أنيقة، انكمشت داخل جلبابها الأسود الذي يشبه لون التراب، سألت أحد الطلاب عن جلال أسعد، أشار إلى الركن البعيد في الفناء، وقال: ربما في «الكافيتيريا». رنت كافيتيريا في أذنها مثل كلمة في أغنية، أول مرة تسمعها في حياتها، راحت تتغنى بها وهي تمشي في الفناء كافيا تيريا، كافيا تيريا، يا كافيا خيرها وشرها.
كان جلال أسعد واقفا وسط ثلة من الطلاب يستعدون للخروج في التظاهرات، رأى جلال أسعد امرأة ترتدي جلبابا أسود تقترب منه، رأسها ملفوف بطرحة سوداء، وجهها طويل شاحب، عيناها سوداوان تنظران إليه في وجل. - أنت جلال أسعد؟ - أيوه أي خدمة؟ - أنا أم هنادي. - هنادي مين؟ - ما تعرفش هنادي؟ - هي في سنة إيه؟
يغوص قلبها إلى أخمص قدميها، تنطق بصعوبة: سنة أولى.
قال أحد الطلاب: يا دوب الواحد يعرف فصله.
وقال جلال أسعد: اسمها هنادي إيه؟ اسم والدها إيه؟
أطرقت تبتلع لعابا مرا: أبوها ميت.
قال أحدهم: الله يرحمه لكن اسمه إيه؟
مسحت حبات العرق فوق جبينها بكم جلبابها، لم تتوقع أن ينكر جلال علاقته بابنتها، أيكون نذلا إلى هذه الدرجة؟ وإذا غدر بها هل يغدر بابنه في بطنها؟
Halaman tidak diketahui