تزم سعدية شفتيها، تبتلع المرارة، تدعك قاع الحلة المحروق بالسلك، تنظر إلى أصابعها المشققة الملتهبة بالصابون والصودا الكاوية، تختلس نظرة إلى أصابع الأستاذة الناعمة.
كان يمكن لهنادي لو أكملت التعليم في المعهد أن تجلس خلف مكتب بدلا من أن تدعك الحلل والمراحيض. - آه يا أستاذة لو تعرفي.
ينقطع صوتها، يخرج الهواء الساخن من صدرها.
لم تعد قادرة على الكتمان، تريد أن تفضفض عن نفسها، ليس لها أحد في الدنيا إلا السيدة فؤادة وزوجها. - آه يا أستاذة لو تعرفي إيه اللي جوه قلبي. - يا سعدية عملية الإجهاض سهلة!
في الصالة جلست الأستاذة فؤادة على الأريكة المبطنة بالقطن، المغطاة بقماش حريري أزرق منقوش بزخارف خضراء، خطر لها أن تدعو سعدية للجلوس على الأريكة في جوارها، لكن سرعان ما طردت الفكرة من رأسها.
تركتها تجلس على الأرض فوق السجادة العجمية، حيث تجلس بعد الانتهاء من العمل تخيط الجوارب والأزرار الساقطة، تعد فنجان شاي تشربه في كوب بلاستيك أزرق، تضعه على الرف العلوي بالمطبخ مع علبة الشاي، ليس الشاي الدارجيلنيج الثمين، الذي تشربه الأستاذة وزوجها وضيوفهما، في فناجين رقيقة صينية حوافها منقوشة. - هنادي كانت عاقلة وذكية يا ست فؤادة. - أيوه يا سعدية كانت بنت ممتازة. - أيوه يا أستاذة، دفعت لها مصاريف المعهد من السلفة، كنت باحلم أنها تتخرج وتبقى ست محترمة، لكن نعمل إيه للشيطان؟
تمص سعدية شفتيها بحسرة. - ما شيطان إلا بني آدم يا سعدية، لازم نعرف المجرم، إزاي يعتدي على طفلة عمرها ستاشر سنة؟ - لازم سقاها حاجة مخدرة؟
تمسح دموعها بكفها.
كانت تتمنى أن يكون لها حفيد قبل أن تموت، أن ترى ابنتها جالسة محترمة خلف مكتبها مثل الأستاذة فؤادة، ولها زوج محترم مثل شاكر بيه، ولها مطبخ وحمام فيه دش وحنفيات ماء بارد وساخن. - خايفة عليها تموت في العملية يا أستاذة. - العمليات دي بقت سهلة جدا وما فيش فيها أي خطورة وأنا مستعدة أدفع المصاريف. - سلفة تانية يا أستاذة وأسددها كل شهر؟ - ما تحمليش هم يا سعدية. - البركة فيك يا أستاذة. - إنتي بقيتي واحدة من العيلة يا سعدية.
في الليل وهما في الفراش، حكت فؤادة لزوجها شاكر الحكاية، اتسعت عيناه من دون اندهاش كبير، لم يعد هناك شيء يدهشه في الكون، تحكي له زوجته، يستمع إليها وهو راقد فوق ظهره داخل المنامة الحريرية البيضاء، شاخصا إلى السقف.
Halaman tidak diketahui