الفصل التاسع
العثرات
إن عثرات الحياة الدنيوية الحاضرة تبعد الناس عن الحياة الحقيقية وتخفيها عنهم، فلا تمكنهم من الاتحاد مع الآب. (واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه.)
فحوى الفصل التاسع
الإنسان يولد في هذا العالم ليرضي الله، ويسير بحسب وصاياه، فينال الحياة الخالدة. إن الأولاد الصغار هم في الحقيقة أطهار لا يتعدون حدود وصايا الآب، وإذا أراد أحد أن يفهم تعليم يسوع ينبغي عليه أن يوجه التفاته إلى حياة الأولاد، ويجتهد أن يكون مثلهم في سيرهم وأعمالهم، فالأولاد يعيشون دائما أبدا عيشة صالحة، ويتممون إرادة أبيهم ولا يتعدون الخمس وصايا، ولا يخطر على بالهم تعديها، لولا أن الكبار يسببون لهم العثرات فيقودونهم بأيديهم إلى الهلاك، وبعلمهم هذا لا يفرقون في شيء عن رجل علق بعنق رجل آخر حجر الرحى وألقاه في البحر، ولولا العثرات لسادت السعادة في العالم، ولكنها تجلب عليه التعاسة والشقاء، أما العثرات فهي الشر الذي يرتكبه الناس ليحصلوا بواسطته على خيرات هذه الحياة الدنيا، ولكنها تفضي بهم أخيرا إلى الهلاك، فيجب على كل واحد أن يبذل كل مرتخص وغال في سبيل تجنب العثرات وعدم السقوط بها.
إن أعظم عثرة للناس ضد الوصية الأولى، هي أن كل واحد يعد نفسه أعلى منزلة من الآخرين وأرفع شأنا من الغير، وأنهم جميعا دونه مقاما ومرتبة، وما على الناس لكي يتجنبوا السقوط فيها إلا أن يذكروا دائما أنهم مديونون للآب، وأنهم يستطيعون وفاء هذا الدين إذا غفروا سيئات إخوانهم؛ وعليه: فيجب على الناس أن يغفروا سيئات الآخرين دون أن يهتموا بأنه ربما يعود هؤلاء ويسيئون إليهم مرة أخرى أو مرات عديدة، ومهما أسيء إلى الإنسان ينبغي عليه أن يغفر ويسامح ولا يذكر الشر؛ لأن ملكوت السموات مستطاع مع الغفران، فإذا لم نغفر للغير نفعل كذلك المديون دينا عظيما الذي جاء سيده الدائن وطلب إليه أن يرحمه ، فرثى السيد لحاله وترك له الدين جميعه، فذهب المديون وضايق مديونا آخر له بدين قليل، فماذا يفعل السيد إذا سمع بفعلته؟ وهكذا نحن، فإننا نطلب الغفران من الآب، فإذا لم نغفر لغيرنا سيئاتهم فلا يغفر لنا أبونا سيئاتنا.
والعثرة ضد الوصية الثانية، هي أن الناس يزعمون أن المرأة خلقت لأجل شهوات الجسد وملذاته، فإذا ترك الإنسان امرأته وأخذ غيرها يحصل على ملذات أعظم، ولكي نتجنب هذه العثرة ينبغي علينا أن نعرف بأن إرادة الله لا تكون بتمتع الإنسان بملذات المرأة، بل هي تقضي بأن الإنسان إذا اختار امرأة أن يلتصق بها حتى يصبح الاثنان جسدا واحدا، وإرادة الله تقضي بأن يكون لكل رجل امرأة، ولكل امرأة رجلا، فإذا حافظ كل رجل على امرأته ولم يعرف غيرها فيصبح لجميع الرجال نساء، ولجميع النساء رجالا؛ ولذلك: فإن الذي يغير زوجته يحرم المرأة رجلها، ويدعو رجلا آخر لكي يترك زوجته ويتزوج المطلقة أو المهجورة، يجوز للإنسان أن يستغني عن المرأة، ولكن لا يصح له أن يطلق امرأته بتاتا، ثم إن العثرة المضادة للوصية الثالثة هي: أن الناس لكي يتمتعوا بالسيادة والسعادة أسسوا على الأرض الحكومات، ويطلبون من الناس أن يقسموا الأقسام بطاعة الحكام والسير على نواميس المملكة، ولكي نتجنب هذه العثرة يجب علينا أن نفقه وندرك بأننا أحرار، وليس نحن بسلطة أحد ولا نخضع إلا لسلطة الآب السماوي الذي وهبنا الحياة.
وينبغي على الناس أن ينظروا إلى مطالب الحكام وأوامرهم كإلى قوة شديدة تفوق قوتهم ولا يستطيعون مقاومتها، وطبقا لنصوص الوصية الآمرة بعدم مقاومة الشر بالشر يتحتم عليهم أن يتمموا مطالب الحكومات التي لا هم لها سوى سلب أملاك رعاياها وابتزاز أموالهم التي يحصلونها بعرق جبينهم وكدهم ونصبهم، وإنما لا يجوز لهم أن يقرنوا إتمام تلك الأوامر بحلف الأيمان التي هي من أعمال الشر، والشر لا يلد إلا الشر.
ولا يخفى أن الإنسان المسلم أمره إلى الله والخاضع لسلطانه لا يستطيع أن يعد أنه يفعل كذا ويعمل كذا.
إن العثرة التي يتعدى بها الناس الوصية الرابعة هي: أنهم عندما يستولي عليهم الغضب ويجنحون إلى الشر والانتقام يزعمون أنهم بذلك يصلحون ما فسد من أخلاق الناس وأعمالهم، يتوهم البشر، بل ويرجحون بأنه إذا أهان أحد آخر أو تعدى عليه يجب الانتقام من المعتدي ومعاقبته ومحاكمته لينال جزاء ما اقترفت يداه أو لسانه، وما على الناس لتجنب هذه العثرة إلا أن يذكروا أنهم وجدوا ليس لمحاكمة بعضهم، بل لإنقاذ إخوانهم من وهدة المصائب، وأنه لا تجوز لهم محاكمة الآخرين لمجرد ارتكابهم بعض الذنوب وهم معرضون في كل آونة لاقتراف أعظم منها، بل إنهم كلهم تائهون في بيداء الضلال، ويطلب منهم القيام بأمر واحد، وهو أن يكونوا للغير مثال الكمال والتسامح والمحبة.
Halaman tidak diketahui