البخاري وغيره (١) .
وكلا القولين محجوجٌ بالكتاب والسنة.
أمّاَ من ذهب إلى أن فرض الجهاد إنما كان على الصحابة، فلا مستند له، فإن (٢) زعم أنّ الخطابَ بإيجاب القتال والوعيدَ عليه والتشديدَ فيه إنما هو بصيغة المواجهة، واختصاص الحاضرين، كقوله -تعالى-: ﴿انْفِرُواْ﴾ و﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ [التوبة: ٣٩]، و﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: ٢١٦]، وما أشبه ذلك، لم يكن ذلك دليلًا؛ لأن عُرْفَ الشَّرْعِ المقطوعَ عليه في ذلك وأمثاله: أنه لهم ولمن بعدهم، إلاّ أن يُبين أنّه شيءٌ اختُصَّ به بعض المكلفين دون بعض. قال الله
-تعالى-: ﴿لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] .
وأيضًا، فيقال لمدَّعي ذلك: فيلزم أن كلَّ إيجابٍ أو حظْرٍ وردَ في القرآن،
أو في السنة على صيغة مثله أن يكون ذلك مخصوصًا بالصحابة، كقوله -تعالى-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣]، و﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ [البقرة: ١٧٨]، و﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، و﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، ولعلَّ أكثر الشرع على ذلك، وفي هذا ما لا خفاء به.
وأيضًا، فالأخبار عن رسول الله ﷺ دالةٌ على بقاء ذلك إلى يوم القيامة.