أيدي المسلمين؛ لم تقبل شهادة الرجل على فعل نفسه، ولكن إن قام شاهدان على أن أحدًا من المسلمين أمَّنهم قبل أن يصيروا أسرى؛ فهم آمنون أحرارٌ، قال: وإذا أبطلنا شهادة الذي أمَّنَهُم، فحقه منهم باطل، لا يكون له أن يملكه، وقد زعم أن لا ملك له عليه (١) .
فصلٌ: في صفة التأمين وما به يقع من قولٍ أو عمل
قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران: ٥]، وقال -سبحانه-: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ [غافر: ١٩-٢٠] .
وعن أبي وائلٍ قال: كتب إليَّ عمر بن الخطاب فقال: «وإذا لقي الرجلُ الرجلَ فقال: مَتَّرْسْ؛ فقد أمَّنه، وإذا قال: لا تخف؛ فقد أمَّنه، وإذا قال: لا تدْهل، فقد أمَّنه، إن الله يعلم الألسنة» (٢) .
= ومذهب الحنابلة في ذلك، أنه إذا وجد الأمان من آحاد المسلمين لكافرٍ بعد الأسر: صحَّ أمانه. واستدلوا بقصة أبي موسى الأشعري لما فتح مدينة (تُستر) أخذ (الهرمزان) فأنفذه إلى عمر، فقال عمر: لا بأس عليك، ثم همَّ بقتله. فقال له أنس: ليس لك ذلك، هذا وقد أمنته، فتركه.
قالوا: هذا أمانٌ بعد الأسر.
قلت: هذه القصة أخرجها: سعيد بن منصور (٢/٢٩٥ رقم ٢٦٧٠)، وابن أبي شيبة (١٢/ ٤٥٦-٤٥٧ رقم ١٥٢٤٩)، والبيهقي في «الكبرى» (٩/٩٦)، وأبو عبيد في «كتاب الأموال» (ص ١٢٢ رقم ٣٠٤)، وابن المنذر في «الأوسط» (١١/٢٦٥ رقم ٦٦٧١) . والقصة صحيحة.
وانظر: «المغني» (١٣/٧٧-٧٨)، «المقنع» لابن قدامة (١/٥١٦) .
(١) الكلام السابق -برمته- في كتاب «الأوسط» لابن المنذر (١١/٢٧٤) باب: ذكر الشهادة على الأمان.
(٢) علَّقه البخاري في كتاب الجزية والموادعة (باب إذا قالوا: صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا) (٦/ ٢٧٤- «الفتح») . وذكره مختصرًا دون قوله: «وإذا قال: لا تدهل، فقد أمَّنه» .
ووصله عبد الرزاق (٥/٢١٩-٢٢٠ رقم ٩٤٢٩)، وابن أبي شيبة (١٢/٤٥٨-٤٥٩ رقم ١٥٢٥٤)، وسعيد بن منصور (٢/٢٧١ رقم ٢٥٩٩)، والبيهقي (٩/٩٦) كلهم من طريق الأعمش، =