380

Inference by Al-Khatib Al-Sharbini in His Interpretation of Al-Siraj Al-Munir

الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير

Genre-genre

وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨]، وقال: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٤٣]
فأضاف التزيين إليه سبحانه خلقًا ومشيئة. وحذَف فاعله تارة، ونسَبه إلى سببه، ومن أجراه على يده تارة. وهذا التزيين منه سبحانه حسن، إذ هو ابتلاء واختبار للعبد ليتميز المطيع منهم من العاصي، والمؤمن من الكافر، وهو من الشيطان قبيح.
وأيضًا فتزيينه سبحانه للعبد عمله السيء عقوبة منه له على إعراضه عن توحيده وعبوديته، وإيثار سيء العمل على حسنه فإنه لا بد أن يعرفه سبحانه السيء من الحسن، فإذا آثر القبيح واختاره وأحبه ورضيه لنفسه، زيَّنه سبحانه له وأعماه عن رؤية قُبحه بعد أن رآه قبيحًا. وكل ظالم وفاجر وفاسق لا بد أن يُريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحًا، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤية قبحه من قلبه. فربما رآه حسنًا عقوبة له، .. ومع هذه فحجة الله قائمة عليه بالرسالة، وبالتعريف الأول. فتزيين الرب تعالى عدل، وعقوبته حكمة، وتزيين الشيطان إغواء). (^١)
فثبت أنه يمتنع أن يصدر عن العبد فعل، ولا قول، ولا حركة، ولا سكون، إلا إذا زيَّن الله تعالى ذلك الفعل في قلبه وضميره واعتقاده، وأيضًا الإنسان لا يختار الكفر والجهل ابتداء مع العلم بكونه كفرًا وجهلًا، والعلم بذلك ضروري بل إنما يختاره لاعتقاده كونه إيمانًا وعلمًا وصدقًا وحقًا، فلولا سابقة الجهل الأول لما اختار هذا الجهل. (^٢)

(^١) تفسير القرآن الكريم لابن القيم (١/ ٢٤٤) بتصرف، وشفاء العليل (١/ ١٠٣).
(^٢) ينظر: التفسير الكبير (١٣/ ١١١)

1 / 380