المقدّمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على سيد المرسلين وبعد؛
فهذه رسالة «إنباء الأمراء بأبناء الوزراء» لابن طولون الدمشقي تنشر لأول مرة بعد أن كانت مغيبة في خزائن الكتب، وهذه الرسال لها خصوصيتها وأهميتها وذلك للأسباب التالية:
١ - أنها واحدة من مصنفات ابن طولون الدمشقي وهو من المكثرين في التأليف حتى تجاوزت كتبه ورسائله السبعمائة والخمسين مؤلفا ولا يضارعه في كثرة التأليف سوى الإمام السيوطي ﵀.
٢ - هي إضافة مهمة إلى كتب تراجم الوزراء التي لم ينشر منها إلاّ أقل القليل فضلا عن ندرة تلك الكتب التي تناولت حياة الوزراء مثل «الإشارة إلى من نال الوزارة» لابن الصيرفي و«الوزراء والكتاب» للجهشياري و«الوزراء» للثعالبي فإن ما نشر منها لا يتجاوز عددها أصابع اليدين (١).
٣ - ومما يزيد في أهميتها أنها نسخة وحيدة-حسب علمي- وبخط المؤلف مما يوضح مدى الحاجة إلى بذل جهد مضاعف في
_________
(١) انظر مقدمة «رسوم دولة الخلافة» لميخائيل عواد.
1 / 5
تحقيقها؛ لصعوبة خط ابن طولون كما هو معروف، وعدم اطلاعي على نسخة أخرى يقابل عليها عند التحقيق.
٤ - المدى الزمني التي غطته المخطوطة، فلم تقف عند عهد معين كالعصر العباسي أو الأيوبي، بل تجاوزته إلى العصر المملوكي والأيوبي، كذلك لم يكتف ابن طولون في عرض تراجم وزراء المشرق بل تعداها إلى الأندلس مثل ترجمة لسان الدّين ابن الخطيب.
لهذا ولكل ما سبق رأيت من نشر هذا الكتاب المهم وأود أن ألفت نظر القارىء أنني لم أتوسع في ترجمة المؤلف، واقتصرت على ما لا يسع القارىء جهله اكتفاء مني بما نشر من مؤلفاته السابقة التي قام محققوها مشكورين بتتبع حياة ابن طولون العلمية والاجتماعية كما فعل العلامة محمد أحمد دهمان ﵀، كما أن المؤلف ألف في ترجمة حياته كتابا مفصلا وهو «الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون» الذي نشر ثانيه منذ عهد قريب.
***
1 / 6
ترجمة المؤلف
اسمه ونسبه ومولده:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدين علي ابن الخواجه شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي.
ولد بصالحية دمشق في ربيع الأول سنة ٨٨٠ هـ تقريبا.
شيوخه:
أخذ العلم عن علماء عصره وأشهرهم:
١ - القاضي ناصر الدين أبو البقاء محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن العمري القرشي المعروف بابن زريق (٨١٢ - ٩٠٠) كان عالما بالحديث النبوي.
ترجمته في الأعلام للزركلي ٦/ ٥٨، والضوء اللامع للسخاوي ٧/ ١٦٩، والجوهر المنضد لابن المبرد ص ١٢٦ (١٤٢).
٢ - الخطيب سراج الدين عمر بن علي بن عثمان بن صالح الصيرفي (٨٢٤ - ٩١٧ هـ)، كان خطيب دمشق ومن علماء الحديث بها.
ترجمته في الكواكب السائرة ١/ ٢٨٦، وشذرات الذهب (ط القدس) ١٠/ ٨٤.
1 / 7
٣ - جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي المبرد الصالحي الحنبلي (٨٤٠ - ٩٠٩)، وقد ألف ابن طولون في ترجمته مؤلفا ضخما كما ذكره ابن العماد.
ترجمته في الأعلام ٨/ ٢٢٥، وشذرات الذهب ٨/ ٤٣.
٤ - أبو الفتح شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن عطية العوفي السكندري المزي (٨١٨ - ٩٠٦ هـ).
ترجمته في الأعلام ٧/ ٥٣ والشذرات ٨/ ٣٠.
٥ - عبد القادر بن محمد ابن النعيمي المتوفى سنة ٩٢٧ هـ.
ترجمته في الأعلام ٤/ ٤٣، والكواكب السائرة للغزي ١/ ٢٥٠.
٦ - أخذ عن الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة ٩١١ هـ.
أجازه مكاتبة.
مؤلفاته:
لقد ذكرت في المقدمة أنه من المكثرين من التصنيف حتى أن ثبت مؤلفاته حوى ذكر ثلاثة وخمسين وسبعمائة كتابا بعضها في مجلدات ك «مفاكهة الخلان» و«القلائد الجوهرية» وبعضها رسائل صغيرة لا تتعدى الكراس، ولم يطبع من هذا التراث الغني إلاّ أقله، فمن كتبه المطبوعة:
١ - الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون.
٢ - قيد الشريد في أخبار يزيد (ابن معاوية).
٣ - أعلام الورى بمن ولى نائبا من الأتراك بدمشق الشام الكبرى.
1 / 8
٤ - القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية.
٥ - إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين.
٦ - نقد الطالب لزغل المناصب.
٧ - المعزة فيما قيل في المزة.
٨ - اللمعات البرقية.
٩ - فص الخواتم فيما قيل في الولائم.
١٠ - مفاكهة الخلان في حوادث الزمان.
١١ - ضرب الحوطة على جميع الغوطة.
. . . وغيرها كثير.
انظر ذخائر التراث العربي ١/ ١٦٢.
تلاميذه:
١ - شهاب الدين أحمد بن أحمد الطيبي الشافعي المتوفى سنة ٩٨١ هـ.
ترجمته في الأعلام ١/ ٩١.
٢ - نجم الدين وقيل شمس الدين محمد بن محمد بن رجب البهنسي المتوفى سنة ٩٨٦ هـ.
ترجمته في شذرات الذهب ٨/ ٤١٠.
٣ - علاء الدين علي بن عماد الدين إسماعيل بن موسى الشهير بابن ألوس المتوفى سنة ٩٧١ هـ.
ترجمته في الشذرات (ط الأرناؤوط) ١٠/ ٥٣٠، ومعجم المؤلفين (ط الرسالة) ٢/ ٤٠٦.
1 / 9
٤ - شيخ الإسلام إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم النابلسي الشافعي مفتي الشافعية المتوفى سنة ٩٩٣ هـ.
٥ - زين الدين عمر بن محمد بن أبي اليمن المعروف بابن سلطان المتوفى سنة ٩٩٧ هـ.
ترجمته في الكواكب السائرة ٣/ ١٩٦، وعرف البسام ص ٣٧.
٦ - شيخ الإسلام أحمد بن شرف الدين يونس بن عبد الوهاب العيتاوي الشافعي المتوفى سنة ١٠٢٥ هـ.
ترجمته في خلاصة الأثر ١/ ٣٦٩، وكحالة (ط الرسالة) ١/ ٣٣١.
٧ - شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن أبي الوفاء علي بن إبراهيم المفلحي الصالحي ثم الدمشقي المتوفى سنة ١٠٣٥ هـ وقيل سنة ١٠٣٨ هـ.
ترجمته في النعت الأكمل للكمال ابن الغزي ص ١٩٨، وخلاصة الأثر ١/ ١٦٥.
٨ - القاضي أكمل الدين محمد بن إبراهيم بن عمر بن مفلح المتوفى سنة ١٠١١ هـ.
ترجمته في خلاصة الأثر ٣/ ٣١٤، والأعلام ٥/ ٣٠٣.
مكانته العلمية وأراء العلماء فيه:
لقد كان ابن طولون من العلماء الذين رسخت أقدامهم في العلم وبلغوا فيه شأوا بعيدا مما دعا الكثير من العلماء إلى وصفه بالعلم والحفظ وهاك أقوال بعضهم:
1 / 10
فقد قال عنه الغزي في كواكبه: الإمام العلامة المسند المفنن الفهامة.
وقال عنه ابن العماد الحنبلي في شذراته: الإمام العلامة المسند المؤرخ.
ووصفه العلامة محمد بن جعفر الكتاني في الرسالة المستطرفة:
مسند الشام في عصره.
وترجمه الكتاني الآخر في فهرس الفهارس بقوله: الإمام العلامة المحدث مسند الشام ومفخرته وحافظه.
بعض الأمور المتصلة بحياته:
وكما اشتهر الإمام ابن طولون بالعلم والحفظ في عصره فقد عرف عنه نظم الشعر ولكنه قليل ومن جيّده قوله ملمّحا بالحديث المسلسل بالأولية:
ارحم محبك يا رشا ... ترحم من الله العلي
فحديث دمعي من جفا ... ك مسلسل بالأولي
ومن شعره:
ميلوا عن الدنيا ولذاتها ... فإنها ليست بمحموده
واتبعوا الحق كما ينبغي ... فإنها الأنفاس معدوده
فأطيب المأكول من نحلة ... وأفخر الملبوس من دوده
كذلك كانت له مشاركة في سائر العلوم حتى في التعبير والطب ومما يروى عنه أن الشيخ أحمد بن سليمان الشلاح قال: كنت عند والدي
1 / 11
فدخل عليه الشيخ شمس الدين ابن طولون زائرا فلما جلس تقدم رجل من الفقراء فقص على الوالد أنه رأى في منامه النبي ﷺ وأنه أسود اللون فقال الشيخ سليمان: هذا مولانا الشيخ شمس الدين يعبّر لك هذه الرؤيا فقال الشيخ شمس الدين: هذه الرؤيا تدل على أن الرائي مبتدع مخالف لسنّة النبي ﷺ؛ لأن السواد غير صفة النبي ﷺ، والرؤيا تدل على حال الرائي فالظاهر أنه على غير السّنّة فقال الرجل: ليس في عقيدتي شيء، لكني ربما تشاغلت عن الصلاة. فقال ابن طولون: وأي مخالفة أعظم من الصلاة. فأخذ عليه العهد بالتوبة.
هذا بعض من أحواله ﵀ فقد قضى حياته في العلم والدرس.
وتوفي ﵀ يوم الأحد حادي عشر أو ثاني عشر جمادى الأول سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ودفن بتربتهم عند عمه القاضي جمال الدين بالسفح قبلي الكهف والخوارزمين ولم يعقب أحد ولم يكن له زوجة حين مات.
***
1 / 12
وصف المخطوطة
اعتمدت في تحقيقها على نسخة وحيدة بخط المؤلف، والأصل موجود في خزانة برلين تحت رقم (٩٨٨٠)، وهي من المجموعة التي أهداها (لاند برج) ورقمها في المجموعة (٤٠٩ - ٧٠٤) وتتكون من (٢٠) ورقة في كل ورقة (٢٢) سطرا بالخط الدقيق، وهي مصورة عند أستاذي العالم الفاضل الدكتور محمد عيسى صالحين، وقد أهداني هذه المصورة لتحقيقها، فله مني جزيل الشكر ودوام العرفان.
وفي الختام أود أن أشكر أخوين فاضلين فلولا الله ﷾ ثم إلحاحهما لم تنشر هذه المخطوطة، وهما الشيخ الفاضل محمد بن ناصر العجمي، والشيخ الفاضل رمزي دمشقية، فجزاهما الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
وكتبه
مهنّا حمد المهنّا
الكويت-العمرية
في ٥ من ذي الحجة سنة ١٤١٧ هـ
الموافق ١٢/ ٤/١٩٩٧ م
1 / 13
صورة الصفحة الأولى من المخطوط
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط
1 / 15
إنباء الأمراء بأنباء الوزراء
تأليف شمس الدّين محمّد بن عليّ بن طولون المتوفى سنة ٩٥٣
تحقيق مهنّا حمد المهنّا
1 / 17
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي لا شريك له في ملكه ولا نظير ولا وزير، أحمده على كثرة نعمه علينا وقبل منّا اليسير، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده السميع البصير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله السراج المنير، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه كبيرهم والصغير، وبعد:
فهذا تعليق سميته (إنباء الأمراء لأنباء الوزراء) (١) لم يشر عليّ بجمعه مشير وإنما ألهمني لذلك المولى القدير، وبه أستعين فإنه نعم المعين والنّصير، وبالإجابة لكل دعاء جدير.
فنقول: قال الله تعالى: وَاِجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنابَصِيرًا (٣٥) [طه:٢٩ - ٣٥] يعني قال موسى ﵇: يا رب اجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، يعينني على ما كلّفتني.
واشتقاق الوزير إما من الوزر لأنه يحمل ثقل أميره أو من الوزر وهو
_________
(١) كذا، وعند الزركلي ٦/ ٢٩١، ومعجم المؤرخين الدمشقيين ٢٩١، وتاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ٢/ ٣٠٧: بأنباء الوزراء.
1 / 19
الملجأ لأن الأمير يعتصم برأيه ويلتجىء إليه في أموره، ومنه الموازرة، وقيل أصله من أزير من الأزر بمعنى القوة فعيل بمعنى فاعل، كالعشير والجليس قلبت همزتها كقلبها في موازن.
وقال أبو البقاء (١): وزيرا الواو أصل لأنه من الوزر والموازرة، وقيل: هي بدل من الهمزة لأن الوزير يشد أزر الموازر وهو قليل، وفعيل هنا بمعنى الفاعل كالخليط.
وفي الصحاح (٢): الوزير: الموازر كالأكيل والمواكل لأنه يحمل عنه (٣) وزره. والوزارة لغة في الوزارة. انتهى.
وفي مفعولي اجعل ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهما وزير وهارون، ولكن قدّم المفعول الثاني للعناية، فعلى هذا يجوز أن يتعلق (لي) ب (اجعل) وأن يكون حالا من وزير.
الثاني: أن يكون، «وزيرا»، مفعولا أول و«لي» الثاني و«هارون» بدل أو عطف بيان و«أخي» كذلك.
والثالث: أن يكون المفعول الثاني «من أهلي» و«لي» تبيين، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)﴾ [الإخلاص]، و«هارون أخي» على ما تقدم ويجوز أن ينتصب «هارون» بفعل محذوف، أي اضمم
_________
(١) في كتابه (التبيان في إعراب القرآن) ٢/ ٨٩٠، وهو الإمام النحوي اللغوي محب الدين عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري، المتوفى سنة ٦١٦ هـ، ترجمته في إنباه الرواة ٢/ ١١٦.
(٢) للجوهري ٢/ ٨٤٥.
(٣) في الأصل: عليه.
1 / 20
إليّ هارون «اشدد» يقرأ بقطع الهمزة، «وأشركه» بضمها وجزمها على جواب الدعاء وهي قراءة ابن عامر (١) ويقرآن على لفظ الأمر «كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا» أي تسبيحا كثيرا [أ] (٢) ووقتا كثيرا فإن التعاون يهيّج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده، «إنك كنت بنا بصيرا» أي عالما بأحوالنا فإن التعاون مما يصلحنا وأن هارون نعم الولي لي فيما أمرتني به.
...
_________
(١) انظر التبصرة في القراءات لمكي بن أبي طالب ص ٢٥٩.
(٢) استدركتها من التبيان.
1 / 21
ومن أعيان الوزراء:
١ - أبو المواهب القميّ (١)
وكان يدّعي أنه شريف علوي، وكان وزيرا للإمام الناصر/وكتب إليه نجم الدين يعقوب بن صابر المنجنيقي يعرّض بهذا الوزير:
خليليّ قولا للخليفة أحمد (٢) ... توقّ وقيت الشرّ ما أنت صانع
وزيرك هذا بين أمرين فيهما ... صنيعك يا خير البرية ضائع
فإن كان حقّا من سلالة أحمد ... فهذا وزير في الخلافة طامع
وإن كان فيما يدّعي غير صادق ... فأضيع ما كانت لديه الصنايع
فلما وقف الناصر عليها كانت سبب تغيّره عليه وأمر فخرج إليه مملوكان مسرعين فهجما على الوزير في داره وضرباه بدواته على رأسه
_________
(١) أبو الحسن نصير الدين ناصر بن مهدي بن حمزة المازندراني. قبض عليه الخليفة الناصر لدين الله العباسي سنة ٦٠٤ هـ. وتوفي سنة ٦١٧ هـ، ترجمته في الكامل ١٢/ ٢٧٦، وتاريخ الإسلام (طبقة ٦٢) ص ٣٤٨، والفخري ٣٢٥، والذيل على الروضتين ٥٩ و١٢٤، ونهاية الأرب ٢٣/ ٣١٥.
(٢) في الحوادث الجامعة ١١، والذيل على الروضتين ٦٠: حيدر.
1 / 22
وحملاه إلى المطبق (١) فكتب إلى الخليفة:
إلقني في لظى فإن غيّرتني (٢) ... فتيقن أن لست بالياقوت
عرف (٣) النسج كلّ من حاك لكن ... ليس داود فيه كالعنكبوت (٤)
فكتب إليه الخليفة الجواب:
نسج داود لم يفد صاحب (٥) الغا ... ر وكان الفخار للعنكبوت
وبقاء السّمند في لهب النا ... ر يزيل (٦) فضيلة الياقوت
اخترناك فصرفناك، واختبرناك فعرفناك والسّلام.
ومن ها هنا أخذ المعنى ناصر الدين حسن بن النقيب:
ودود القزّ إن نسجت حريرا ... يجمل لبسه في كلّ شيّ
فإن العنكبوت أجلّ منها ... بما نسجت على رأس النبيّ
وعلى ذكر العنكبوت ودود القز ذكرت قول محمد بن أبي الحسن المعروف بالأردخل:
أقول إذا قالوا نراك مقطّبا ... إذا ما ادّعى دين الهوى غير أهله
_________
(١) المطبق: هو السجن تحت الأرض. متن اللغة ٣/ ٥٨٣.
(٢) كذا، وفي وفيات الأعيان ٧/ ٤١: احرقتني.
(٣) كذا بالأصل وفي الوفيات: جمع.
(٤) نقل إحسان عباس عن ابن الشعار أن الأبيات للقاضي الفاضل. وفيات الأعيان ٧/ ٤١ الحاشية.
(٥) في الوفيات: ليله.
(٦) في الوفيات: مزيل.
1 / 23
يحقّ لدود القزّ يقتل نفسه ... إذا جاء بيت العنكبوت بمثله (١)
وقال الآخر وهو أبو محمد القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور الواسطي شارح «المقامات»:
حق دود القزّ يبني ... فوقه ثم يموت
بعد ما سدّى وقد صا ... ر يسدّي العنكبوت (٢)
...
_________
(١) البيتان في وفيات الأعيان ٧/ ٤٢.
(٢) البيتان في الوفيات ٧/ ٤١.
1 / 24
ومن أعيانهم:
٢ - الوزير أبو الحسن القاسم
ابن عبيد الله بن سليمان بن وهب (١)
وزير الإمام المعتضد كان عظيم الهيبة، شديد الإقدام، سفاكا للدماء، الصغير والكبير منه على وجل لا يعرف أحد من أرباب الأموال معه نعمة.
ذكر ابن خلّكان (٢): في ترجمة أبي الحسن علي بن الرومي الشاعر المشهور أن له في الهجاء كل معنى طريف، وكان الوزير أبو الحسن ابن وهب يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراس فأطعمه خشكنانه (٣) مسمومة وهو في مجلسه فلما أكلها وأحس بالسم قام، فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الموضع الذي بعثتني
_________
(١) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٤/ ١٨، وانظر حاشيته، والمنتظم ٦/ ٤٦، ووفيات الأعيان ٣/ ٣٦١.
(٢) في وفيات الأعيان ٣/ ٣٦١.
(٣) في الوفيات: خشكنانجه وكلاهما صحيح، والخشكنانه نوع من الخبز يعمل بالزبد والسكر واللوز والفستق، كما في تكملة المعاجم العربية لدوزى ٤/ ١٠٢.
1 / 25
إليه (١). فقال له: سلّم لي على والدي. فقال: ما طريقي على النار.
فخرج من مجلسه وأتى منزله فأقام أياما ومات يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وقيل أربع وثمانين وقيل ست وسبعين ومائتين ببغداد، ودفن في مقبرة باب البستان.
قال: وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط عليه في بعض العقاقير.
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه، رأيت ابن الرومي وهو يجود بنفسه، فقلت: ما حالك؟ فأنشد:
غلط الطبيب عليّ غلطة مورد ... عجزت موارده عن الإصدار
والناس يلحون الطبيب وإنّما ... غلط الطبيب إصابة المقدار
وقال أبو عثمان الناجم الشاعر: دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه، فلما قمت من عنده قال لي:
أبا عثمان أنت حميد قومك ... وجودك للعشيرة دون لومك (٢)
تزوّد من أخيك فما أراه ... يراك ولا تراه بعد يومك
وتوفي الوزير المذكور عشية الأربعاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول (٣) سنة إحدى وتسعين ومائتين في خلافة المكتفي وعمره نيّف وثلاثون سنة وفي ذلك يقول عبد الله بن الحسن بن سعد:
_________
(١) في الأصل: عليه.
(٢) في الأصل: يومك والتصحيح من الوفيات.
(٣) كذا بالأصل وفي الوفيات ٣/ ٣٦٢: ربيع الآخر، وسير النبلاء ١٤/ ٢٠: في ذي القعدة.
1 / 26
شربنا عشية مات الوزير ... سرورا ونشرب في ثالثه
فلا رحم الله تلك العظام ... ولا بارك الله في وارثه
قلت وفي معنى هذين البيتين قول بعضهم:
أقول وقد مرّ بي نعشه ... إلى سقر الله روح الشّقي
فلا رحم الله من قد مضى ... ولا رضي الله عمن بقي
قال ابن خلكان (١): وكان لهذا الوزير أخ يقال [له] (٢) أبو محمد الحسن، فمات في حياة أبيه وحياة الوزير فعمل أبو الحارث النوفلي وقيل -البسّامي-وهو الأصح ثم رأيت في (الذيل) (٣) للسمعاني في ترجمة علي بن المقلد بن عبد الله بن كرامة البواب، أن أبا الحارث النوفلي قال:
كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه فلما مات أخوه الحسن كتبت على لسان البسّامي، وأنشد هذه الأبيات، وقال السمعاني قبل هذا الكلام: وقال أبو بكر الصولي النديم: وقد رأيت أبا الحارث هذا وكان رجلا صدوقا:
قل لأبي القاسم المرزّا ... قابلك الدهر بالعجائب
مات لك ابن وكان زينا ... وعاش ذو الشّين والمعايب
_________
(١) في الوفيات:٣/ ٣٦٢.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) وهو ذيل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. انظر عنه تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٦/ ٦٣، والسمعاني هو أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي المحدث والمؤرخ صاحب (الأنساب) و(أدب الإملاء والاستملاء) توفي سنة ٥٦٢ هـ.
1 / 27